اعلم أن هاتين اللفظتين مختصرتان، ولأجل اختصار هما لا يقف العقل على تمام المعنى المقصود من لفظ الأزل والأبد. والعلماء ذكروا أمثلة كثيرة كاشفة عن حقيقة هذا المعنى.
فالمثال الأول: قالوا: لو فرضنا أن داخل الفلك الأعظم كان مملوءا من حبات الجاورس [1] ، وفرضنا أن في كل ألف ألف سنة تفنى حبة واحدة من تلك الحبات، ثم فرضنا اجتماع هذه الحبات بأسرها على كثرتها، وامتناع وقوف العقل على جزء من أجزائها، ثم قابلنا ذلك المجموع بالمعنى المفهوم من الأزل، كان ذلك المجموع بالنسبة إلى الأزل، كالعدل بالنسبة إلى الوجود.
وذلك لأن ذلك المجموع وإن بلغ في الكثرة إلى الحد الذي يعجز العقل عن الإحاطة بالجزء القليل منه، إلا أن العلم البديهي حاصل بأنه إنما يتولد من ضم المقادير المتناهية بعضها إلى بعض: مرات متناهية، والمجموع الحاصل من ضم المتناهي إلى المتناهي يكون متناهيا.
فهذا المجموع له أول. واللانهاية واللاأولية غير متناهية. والمتناهي بالنسبة إلى [غير] [2] المتناهي، يكون كالعدم في مقابلة الوجود. وهذا المثال
(1) من (ز) .
(2) من (ز) .