فهرس الكتاب
الصفحة 1855 من 2479

[335]الفصل الأول في اقامة الدلالة على أن الأفلاك والكواكب: أحياء ناطقة

اعلم: أن أهل الظاهر إذا سمعوا هذا الكلام استبعدوه. وهذا الاستبعاد مستبعد منهم جدا. وذلك لأنهم يروون خبرا [1] عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: «إن الشمس عند الغروب، يذهب بها، إلى ما تحت العرش، وعند الطلوع تسجد لله تعالى سجدة، ثم تطلع» ومعلوم أن السجود لا يصح منها إلا إذا كانت عارفة بربها. وذلك يقتضي إثبات الحياة والقدرة والعلم، فوجب بمقتضى هذا الخبر: كون الشمس حيوانا مطيعا لله عز وجل. وسنذكر في فصل مفرد: أن الآيات الكثيرة من القرآن تدل على أن الأمر كذلك. إذا عرفت هذا فنقول: اختلف أهل البحث والنظر فيه: أما الفلاسفة: فقد أطبقوا على أن الأفلاك والكواكب: أحياء عاقلة.

(1) إن هذا الخبر تصوير لحالة خضوعها لله تعالى. ولا يدل على أن الأفلاك والكواكب: أحياء ناطقة. وإنما يدل على ما يدل عليه قوله تعالى: فقال لها ولِلْأرْضِ: ائْتِيا طوْعاً أوْ كرْهاً قالتا: أتيْنا طائِعِين [فصلت 11] وقول الله تعالى لهما فيه وجهان. أحدهما: أنه قول تكلم به. والثاني: أنها قدرة منه ظهرت لهما، فقامت القدرة مقام الكلام في بلوغ المراد «وقالتا: أتينا طائعين» فيه أيضا وجهان. أحدهما: أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا، فقام مقام قولهما. والثاني: بل خلق الله فيهما الكلام، فتكلمتا كما أراد تعالى [انظر تفسير القرطبي] والصحيح: أن نقول: ليست الأفلاك والكواكب أحياء ناطقة، لتنتفي شبه العابدين للقمر والكواكب. فإنهم يدعون أن للقمر والكواكب حياة كحياة البشر، وإذا كانت الآيات تحتمل أكثر من معنى، فالمعنى المناسب لعظمة الله أحق بالقبول من غيره.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام