اتفق جمهور الفلاسفة على قدم الدهر والمدة. واتفق المتكلمون على حدوثه. أما الأولون فهم فريقان: منهم من زعم أن العلم الضروري حاصل بأنه لا يقبل العدم البتة، ولا يتمكن العقل من تصور رفعه وعدمه. ومنهم من أثبت قدمه بالحجة والدليل.
أما الطائفة الأولى: فقالوا: إنما قلنا: إن العلم الضروري حاصل بامتناع عدمه [وارتفاعه [1] ] لوجوه:
الأول: إنا متى اعتقدنا أنه كان معدوما ثم حدث، فلا بد وأن نعتقد عدما مستمرا من الأزل إلى وقت حدوثه، وتعقل الدوام والاستمرار لا يمكن إلا عند إثبات مدة مستمرة، لأنه لا معنى لذات المدة إلا ذلك الدوام السيال المتحرك [2] فيثبت: أنه لا يمكن تصور عدمه إلا مع فرض وجوده، وما كان كذلك، كان عدمه ممتنعا في العقول لذاته.
الثاني: إنا متى تصورنا أنه كان معدوما. فقد تصورنا أن عدمه سابق على وجوده، وذلك السبق لا معنى له إلا المدة والزمان. فيثبت: أن العقل لا يتمكن من تصور عدمه.
(1) سقط (ط، س) .
(2) المستمر (م، ت) .