[100] الثالث: إنا متى قلنا: إنه كان معدوما أو سيصير معدوما. فلفظ كان، وسيكون، لا بد وأن يشير إلى مدة ماضية، وإلى مدة [لاحقة] [1] آتية. وقول من يقول: إن هذا لضيق العبارة كلام فاسد، بل هذا لأجل أن العقل لا يتمكن من فرض عدمه، والفهم لا يمكنه التعبير عن تقدير عدمه. وكل ذلك لأجل ما ادعينا أن تقدير عدمه [2] وفرض رفعه، مما يأباه صريح العقل والفهم.
وأما الطائفة الأخرى: وهم الذين يثبتون كون المدة قديمة بالحجة والبينة، فقد ذكرنا في كتاب القدم والحدوث: الوجوه التي ذكروها وعولوا عليها. فلا فائدة في الإعادة.
واعلم أن القائلين بقدم الدهر فريقان: منهم من يقول: المدة جوهر قائم بالنفس، ولا يتوقف وجوده على وجود الحركة. ومنهم من يقول: المدة عبارة عن مقدار الحركة. أما الأولون فإنهم قالوا: إنه لا يلزم من قدم [الدهر قدم [3] ] الحركة البتة، بل الدهر جوهر ثابت في ذاته، فإن لم يقارنه شيء من الحركات والتغيرات والحوادث لم يحصل هناك إلا الدوام الواحد، والاستمرار الواحد. ثم إن العقول البشرية قاصرة عن تصور كيفية ذلك الدوام، وذلك لأن الذي وجدناه من عقولنا وأفهامنا أمران: أحدهما: الدوام بحسب تعاقب الحوادث، ومجيء الحادث بعد الحادث وحضور الوقت [بعد الوقت [4] . وهذا إنما يتحقق بسبب [تغير [5] ] القبليات بالبعديات. فالدوام الخالي عن شوائب التغير مما لا يصل العقل إليه. والثاني: إن كل دوام نعقله، فإنما نعقله في وقت معين، وكل ما كان كذلك فهو محدود متناهي، فالذي لا نهاية له لا يتصوره العقل البتة، وأما إذا حصل في المدة أحوال متلاصقة، وتغيرات
(1) سقط (ط) .
(2) تقدير دفعه وعدمه مما يأباه (م، ت) .
(3) من (م) .
(4) من (ط) .
(5) من (س) .