اعلم: أن الذي يدل على أن الأمر كما ذكرناه، وجوه: الحجة الأولى: إنه من المحال أن ينتهي المتحرك من أول المسافة إلى آخرها، إلا إذا وصل إلى نصفها. ومن المحال أن يصل إلى نصفها، إلا إذا وصل إلى نصف نصفها. فلو كانت المسافة مركبة من أجزاء غير متناهية، لوجب أن يمتنع الوصول من أولها إلى آخرها، إلا في زمان غير متناه. وحيث لم يكن الأمر كذلك، علمنا: أن المسافة مركبة من أجزاء متناهية.
واعلم: أن «أبا الهذيل العلاف» لما احتج بهذا الدليل على «النظام» أجاب النظام عنه: بأن المحال إنما يلزم لو كان المتحرك: تحرك على جميع أجزاء المسافة. وليس الأمر كذلك، بل إنه تحرك على بعضها، وطفر على الباقي.
والمراد من الطفر: انتقال المتحرك إلى الجزء البعيد عنه، من غير أن يمر بما بينها. قال: «والقول بالطفر، وإن كان بعيدا جدا، إلا أن القول بإثبات الجوهر الفرد، يلزم عليه تفكك حجر الرحى. فإذا جاز لكم التزام ذلك المستبعد، فلم لا يجوز أيضا التزام مثل هذا المستبعد؟ » .
السؤال الثاني: لم لا يجوز أن يقال: هذا الجسم المتناهي في المقدار، مركب من أجزاء لا نهاية لها. والزمان المتناهي في المقدار، مركب أيضا من آنات متتالية لا نهاية لها. فلا جرم تحرك المتحرك على الأجزاء التي لا نهاية لها،
[70] في تلك الآنات، التي لا نهاية لها؟ فإن ادعيتم: العلم الضروري بأن الشيء الذي له، طرفان، يمتنع أن يحصل فيما بين ذينك الطرفين أجزاء، لا نهاية لها بالفعل. فنقول: إن صح هذا الكلام فاذكروه في الجسم، ولا تتعرضوا للزمان ولا للحركة البتة. وإن لم يمتنع ذلك الاحتمال في الجسم، فكذا لا يمتنع مثله في الزمان وفي الحركة.