اعلم أنا نشاهد أن الجسم ينتقل ويتحرك، ونعلم بالبديهة أنه ينتقل من جهة إلى جهة، ومن جانب إلى جانب. والناس يسمون المنتقل عنه والمنتقل إليه تارة بالحيز، وتارة بالجهة، وتارة بالمحاذاة [1] وتارة بالجنب، وتارة بالجانب، وتارة بالمكان، وتارة بأسماء أخرى، لا حاجة لنا إلى الاستقصاء في ذكرها.
وبالجملة فمكان الشيء هو الذي يكون فيه الشيء، ويفارقه بالحركة ولا يسعه معه غيره وتتوارد المتحركات عليه على سبيل البدل. فهذا القدر أمر معلوم بالضرورة. ثم نقول: إن هذا الشيء إما أن يكون أمرا ينفذ فيه ذات الجسم ويسري فيه، وإما أن لا يكون كذلك، بل يكون هو السطح الباطن من الجسم الحاوي، المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي، والأول: هو القول بأن المكان هو البعد، والفضاء، وهو مذهب أفلاطون وأكثر العقلاء. والثاني:
هو القول بأن المكان هو السطح الحاوي. فالمذهب المحصل المعقول في المكان والحيز ليس إلا هذان القولان.
إذا عرفت هذا فنقول: القائلون بأن المكان هو البعد والفضاء. تارة يسمونه بالهيولى، وتارة يسمونه بالصورة. وإنما سموه بالهيولى من حيث إن خاصية الهيولى أن تكون ذاته باقية، وتكون ذاتها موردا للأحوال المتعاقبة،
(1) بالمحاذاة وتارة بالجنب وتارة بالجانب (م) وتارة بالجنب: سقط (ط) .