أما الفلاسفة المتأخرون فقد اتفقوا على أنها قوى جسمانية، وأنه يمتنع أن يكون لها نفوس مجردة. ولم يذكروا في تقرير هذا حجة ولا شبهة. وليس لأحد أن يقول: لو كانت نفوسها نفوسا مجردة، لوجب كونها مساوية للنفوس البشرية في تمام الماهية. ويلزم وقوع الاستواء في العلوم والأخلاق، وذلك محال.
فإنا نقول: الاستواء في التجرد [1] استواء في قيد سلبي. وقد عرفت أن الاستواء في القيود السلبية لا يوجب الاستواء في تمام الماهية. وأما سائر الناس.
فقد اختلفوا في أنه: هل لها نفوس مجردة؟ وهل لها شيء من القوى العقلية أم لا؟ فزعمت طائفة من أهل النظر [2] ومن أهل الأثر: أن ذلك ثابت.
واحتجوا على صحته بالمعقول والمنقول. أما المعقول فهو أنهم قالوا: إنا نشاهد من هذه الحيوانات أفعالا لا تصدر إلا من أفاضل العقلاء، وذلك يدل على أن معها قدرا من العقل. وبينوا ذلك بوجوه:
الأول: إن الفأرة تدخل [ذنبها [3] ] في قارورة الدهن، ثم تلحسه.
وهذا الفعل لا يصدر إلا لعلمها بمجموع مقدمات:
(1) في عدم التحيز (م) .
(2) العلم (م) .
(3) سقط (طا) .