[88] الفصل الحادي عشر في أنا في هذه الحياة هل نعرف ذات الله تعالى من حيث إنها هي: أعني: تلك الحقيقة المخصوصة. وبتقدير أن لا نعرفها. فهل يمكن حصول تلك المعرفة لأحد من الخلق، أو لكلهم. أم لا؟
نقول: أما البحث الأول. وهو أنا في هذه الحياة الدنيا. هل نعرف تلك الحقيقة المخصوصة؟ فنقول: إن هذه المعرفة: غير حاصلة. ويدل عليه وجوه:
الحجة الأولى: إن المعلوم عندنا من الحق سبحانه، إما الوجود، أو كيفية ذلك الوجود أو الإضافات أو السلوب. والعلم بهذه المعلومات ليس نفس العلم بذات الله المخصوصة، ولا أيضا هذه العلوم توجب العلم بتلك الذات المخصوصة، فوجب أن يقال: إنا لا نعرف تلك الحقيقة المخصوصة.
فنفتقر في تقرير هذا الدليل إلى مقدمات: المقدمة الأولى: في بيان أنا لا نعرف من الله إلا هذه الأمور الأربعة. فالأول: إنا إذا علمنا أن العالم محدث وكل محدث فله محدث. فههنا قد علمنا وجود الله. وأما الثاني: وهو معرفة كيفية ذلك الوجود فهي من وجهين:
الأول: إنا نعرف أنه واجب الوجود لذاته، وهو عبارة عن معرفة أن ذلك الوجود واجب الثبوت له، لما هو هو، وذلك عبارة عن معرفة صفة من صفات ذلك الوجود. والثاني: إنا نعرف كونه قديما أزليا باقيا سرمديا، وهو عبارة عن كون ذلك الوجود دائما مبرأ عن العدم فيما قبل وفيما بعد، ويرجع حاصله إلى معرفة صفة من صفات ذلك الوجود.