وقبل الخوض في المقصود لا بد من تقديم مقدمة.
وهي: إن العلوم على قسمين: منها بديهية. ومنها: كسبية.
والكسبيات موقوفة على البديهيات، إذ لو كان كل علم كسبيا، لزم إما الدور، وإما التسلسل. وهما محالان. لأن الموقوف على المحال: محال.
فوجب أن لا يحصل شيء من العلوم أصلا. فثبت: أن القول بأن جميع العلوم كسبية، يوجب القول بنفي العلوم أصلا، وما أفضى إثباته إلى نفيه، كان إثباته باطلا. فثبت: أن الاعتراف بحصول العلم، يوجب الاعتراف بحصول العلم البديهي، وإذا ثبت هذا فنقول: إنه لا معنى للعلم البديهي، إلا العلم الذي تحكم بصحته فطرة عقول العقلاء، من غير حاجة فيه إلى بحث ونظر وتأمل.
إذا عرفت هذه المقدمة، فنقول: الذي يدل على أن النفس جسم مخصوص وجوه:
الحجة الأولى: إن العلم بصفات النفس: بديهي، ومتى كان كذلك [1]
(1) ومتى كان العلم بالصفة بديهيا، كان العلم بالذات بديهيا (ط) .