[248] وأما القدرية: فقد عولوا [1] في تقرير قولهم: على أن حسن المدح والذم معلوم بالبديهة. ونعلم بالبديهة: أنه لو لم يكن العبد قادرا على الفعل لما حسن المدح والذم. وما كان أصلا للبديهي: أولى أن يكون بديهيا.
فالحاصل: أن عمدة الجبرية هي أن الممكن لا بد له من مرجح.
وعمدة [2] القدرية: هي حسن المدح والذم. وهما مقدمتان معلومتان بالبديهية.
فقد وقع التعارض بين هاتين المقدمتين في هذا المقام.
وأما الدلائل العقلية: فاعتماد الجبرية على أن هذه التفاصيل، غير معلومة [3] لنا فلا تكون مخلوقة لنا. واعتماد القدرية على أن هذه الأفعال، واقعة على وفق مقصودنا ودواعينا. فهي منّا. فقد وقع التعارض بين دليل العلم ودليل القصد.
وأما الإلزامات العائدة إلى باب الكمال والنقصان فاعتماد الجبرية على حرف واحد، وهو أن القدرة على الإيجاد صفة كمال، فلا يليق بالعبد الذي هو منبع النقصان. واعتماد القدرية على حرف واحد، وهو أن أفعال العباد سفه وعبث، وإيجادها نقصان. وذلك لا يليق بالإله المتعالي عن النقصان.
وأما الدلائل السمعية فالقرآن مملوء مما يوهم الجبر تارة، ومما يوهم القدر أخرى.
وأما الأنام [4] فكذلك جميع الملل والنحل، بعضهم مجبرة، وبعضهم قدرية. ولا ترى أمة من الأمم خالية عن هاتين الطائفتين.
وأما الأوضاع والحكايات فهي أيضا متعارضة في هذا الباب. حتى قيل: إن واضع «النرد» وضعه على مذهب الجبر، وواضع «الشطرنج» وضعه على مذهب القدر. فظهر عندك أن التعارض غالب في هذه المسألة إلا
(1) فقد عوا في (م) .
(2) وعملة القدرية حسن (م) .
(3) مضمونة [الأصل] .
(4) [الأصل] .