[284] السلامة عن الآفات غالبة والوقوع (في الآفات مغلوب) [1] فنقول: هب أن الأمر كذلك، إلا أنا بينا: أنه لا يجوز أن يكون المقصود من الخلق والإيجاد:
هو السلامة عن الآفات، فلا يجوز أن يكون الشر القليل محتملا لتحصيل الخير الكثير بهذا المعنى. وإن كان المراد أن حصول اللذة والسرور راجح على حصول الغم والألم فهذا ممنوع. وظاهر أن الأمر ليس كذلك، فإن أوقات السرور واللذة قليلة، والغالب حصول الغم والهم والحزن بسبب الحرص والحسد والرغبة في طلب الدنيا.
نقول: إن حب الإنسان للمال والجاه شديد، فإذا طلب فالغالب أنه لا يفوز بمطلوب، فيبقى قلبه أبدا في الألم والوحشة، بل نقول: إن لم يفز بمطلوبه فهناك البلاء الشديد، وإن فاز بمطلوبه فحينئذ يلتذ به، والتذاذه به يحمله على طلب الزائد. وذلك الطلب يوجب العناء الشديد والبلاء العظيم، فالحاصل أنه عند الطلب إن بقي في الحرمان فهناك البلاء والخسران، وإن فاز بالوجدان عظم التذاذه به. وتلك اللذة تصير سببا لحصول طلب أكمل مما كان، وأقوى مما كان، وهو يوجب الحرص الشديد أعظم مما كان، فيثبت أن الإنسان لا ينفك البتة عن هذا النوع الواحد من البلاء والعناء. وأما سائر أنواع البلاء مثل قصد الأعداد وحصول أنواع الأمراض والآلام سواء كانت قليلة أو كثيرة والخوف من الفقر والهرم، وطريان العلل المنفرة، فهذا بحر لا ساحل له.
فنقول: من يقول: إن هذه المكروهات أقل من تلك اللذات: مكابرة، لا يليق بها عاقل. فيثبت بما ذكرنا: أن قولهم الخير راجح، والشر مرجوح مغالطة محضة.
وأما الأصل الثالث وهو قولهم: ترك الخير الكثير، لأجل الشر القليل شر كثير، فنقول: الشر قد يعني به ترك الخير، وقد يعني به حصول الألم والضرر، فقوله: ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل: شر كثير. إن عنى بالشر الكثير ترك الخير الكثير، صار تقدير هذا الكلام: إن ترك الخير الكثير لأجل
(1) من (س) .