[286] كذبا فثبت أن العلم بالقبح يوجب الصرف عن فعل القبيح، ولما حصل هذا العلم في حق الله تعالى، وجب أن يؤثر في صرفه عن القبيح.
والوجه الثاني: هو أن نترك هذا القياس، وندعي العلم الضروري بأن العلم بكون الفعل قبيحا يوجب الانصراف عنه، اللهم إلا إذا صار هذا الصارف معارضا بداعية الشهوة والحاجة. لكنا بينا أن هذه الداعية في حق الله تعالى ممتنعة، فكان علمه تعالى بقبح الفعل صارفا له عن هذا الفعل، ولم يوجد في حقه ما يعارضه، وهو داعية الشهوة، فوجب أن يمتنع الله من فعل القبيح، فهذا تقرير دليل المعتزلة.
وللاعتراض عليه. نقول [1] : أتدعون أن عند حصول العلم بكون الفعل قبيحا، يمتنع صدور الفعل عنه أو لا تدعون الامتناع؟ فإذا ادعيتم الامتناع لزمكم كونه تعالى موجبا بالذات، لا فاعلا بالاختيار، لأن ذاته موجبة لذلك العلم. وذلك العلم موجب، فوجب الامتناع من ذلك الفعل، وموجب الموجب موجب، فكانت ذاته موجبة للامتناع من ذلك الفعل، فيكون موجبا بالذات، لا فاعلا بالاختيار. وأما إن قلتم: إن عند حصول هذا الصارف (لا يجب هذا الامتناع، كان معناه أن مع حصول هذا الصارف) [2] يجوز الفعل، ومع هذا التجويز كيف يمكنكم الجزم بأنه لا يقع؟ وبأنه بتقدير الوقوع يفضي إلى المحال. وأيضا: عند العلم بأن ترك الثواب وترك العوض قبيح، وجب ترك ذلك، فيلزم أن يكون فعله واجبا عقلا، فيعود ما ذكرنا إلى أنه يكون موجبا بالذات، لا فاعلا بالاختيار. وقد ذكرنا مع الفلاسفة أن مع القول بكون الإله تعالى موجبا بالذات، فإن هذا البحث ساقط بالكلية.
ثم نقول: إن دل هذا الدليل على أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يريده ولا
(1) والاعتراض عليه من وجوه الأول [الأصل] .
(2) من (س) .