[241] قد قبلنا. وأتيناك لنتفقه في الدين، ونسألك عن بدو هذا الأمر. فقال: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء [1] » وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض».
واعلم: أن هذا الخبر فيه فوائد: أحدها: أن الحيز والجهة: أمر موجود. بدليل: أنه مشار إليه بحسب الحس، ومقصد المتحرك. ويوصف بالقرب والبعد، ويقبل التقدير والمساحة.
وكل ما كان كذلك، فهو شيء موجود لا محالة. فقوله عليه السلام: «كان الله ولم يكن شيء غيره» يدل على أن الأحياز والجهات ما كانت موجودة في الأزل، وإذا كان كذلك، علمنا: أنه تعالى ما كان في الأزل، حاصلا في حيز وجهة أصلا.
وثانيها: إن قوله: «ولم يكن شيء غيره» يدل على حدوث الأجسام والأعراض والعقول والنفوس. ويدل أيضا: على فساد قول المعتزلة في أن المعدوم شيء.
وثالثها: قوله: «وكتب كل شيء في الذكر» فهذا يدل على قولنا في مسألة القضاء والقدر. لأن العبد لو أتى بخلاف ذلك المكتوب، لصار حكم الله باطلا، وخبره كذبا. وذلك محال. والمفضي إلى المحال محال. فثبت: أن كل ما كتب في اللوح المحفوظ، فهو واقع، وإن العبد لا قدرة له على خلافه.
الحجة الرابعة والعشرون: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا. وهم في أصلاب آبائهم. وخلق النار، وخلق لها أهلا. وهم في أصلاب آبائهم» والاستدلال به ظاهر.
الحجة الخامسة والعشرون: الدعاء المشهور المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وهو قوله: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت» ولو كان جعل العبد ليس من خلق الله تعالى، لكان العبد قد يمنع كثيرا مما [2] أعطى الله،
(1) سورة هود، آية: 7.
(2) إنما (م) .