فهرس الكتاب
الصفحة 2253 من 2479

[133] واعلم. أن هذه الشبهة أيضا: باطلة [1]

(1) واعلم: أن هذه الشبهة باطلة. ويدل على بطلانها: معرفة المحكم والمتشابه. فالمحكم قوله تعالى: اعْملُوا ما شِئْتُمْ [فصلت 40] والمتشابه قوله تعالى: واللهُ خلقكُمْ؟ وما تعْملُون؟ [الصافات 9695] فالمحكم بين أن العبد مستقل بإيجاد الفعل. والمتشابه يحتمل معنيين. الأول: والله خلقكم وخلق عملكم. والثاني: أن الآيات في معرض الاستهزاء والتهكم بقوم إبراهيم عليه السلام. أتعْبُدُون ما تنْحِتُون من هذه الحجارة؟ والحال: أن الخالق لكم هو الله تعالى. ثم وبخهم بقوله: وما تعْملُون؟ أي أي شيء تعملونه؟ إن نحتكم الأصنام من الحجارة عمل باطل. والمتفق مع المتشابه: هو المعنى الثاني، فيكون هو المراد لله عز وجل. وعلى هذه الطريقة لا يكون في القرآن موهم للتعارض ولا موهم للتناقض.

ولو أن القرآن كله على نسق واحد من الفهم، لما تميز العالم عن الجاهل. والله يريد أن يتميز العالم عن الجاهل. ومثل هذا كثير في التوراة. فإن في سفر أشعياء أن الله تعالى «مبدع النور، وخالق الظلمة، ومجري السلام، وخالق الشر» [أشعياء 43: 7] ومنه نعلم أن الله خالق الشر. وإن في سفر التكوين: «ورأى الله جميع ما صنعه فإذا هو حسن جدا» [التكوين 1:

31]ومنه نعلم: أن الله ليس خالقا للشر. لأن الشر ليس حسنا جدا. وعلى ذلك فعبارة أشعياء معناها: أن خالق الدنيا على ما هي عليه هو الله تعالى. وخلقها على ما هو عليه حسن جدا. فإن الله خلق الإنسان وسخر له ما في السموات وما في الأرض. ولكن قد يسيء الإنسان استعمال النعمة فيحولها إلى نقمة. فمثلا خلق العنب نعمة وهو حسن والله مبدعه وخالقه. وإذا جعله الإنسان خمرا وسكر وبالكسر أضاع عقله وفقد عرضه وماله. نقول حينئذ إنه قد صار شرا في العالم. وأصل الشر من الله، لأن العنب الذي هو أصل الشر من إبداع الله وخلقه.

والإنسان الذي أساء هو أيضا من إبداع الله وخلقه. فقول أشعياء «خالق الشر» هو على هذا المعنى، بحسب إيجاد أصل الأنواع وقد عبر بأن الله خالق الشر، لئلا يتوهم متوهم أن الشرور في العالم تأتى من إله آخر. كما كان يعتقد المجوس. في إلهين اثنين. واحد يأتي بالخير وواحد يأتي بالشر. فلكي يمنع أشعياء من هذا الاعتقاد، قال بأن الخير والشر من إله واحد.

والشرور على أنواع ثلاثة: 1ما يصيب الإنسان من جهة طبيعة الكون والفساد 2ما يصيب الناس من بعضهم لبعض 3ما يصيب الإنسان بسبب فعله هو. وتبين التوراة أن الله قال لبني اسرائيل: «هذا قد كان من أيديكم» [ملاخي 1: 9] وفي سفر الأمثال: «إنما يعمل هذا مهلك نفسه» [أمثال 6: 32] ونفس المعنى في القرآن الكريم، يقول تعالى: وما أصابكُمْ مِنْ مُصِيبةٍ فبِما كسبتْ أيْدِيكُمْ [الشورى 30] ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إِلى التّهْلُكةِ [البقرة

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام