[131] كلامه غير حقيقته، مع أنه لم يدل على مراده ولم يبينه، لزم كونه جاهلا ساعيا في إيقاع التلبيس والتدليس أو نقول: يلزم منه تكليف ما لا يطاق. إلا أنا نقول: من اعتقد أنه لا جهل ولا تلبيس [ولا تدليس [1] ] إلا وهو واقع بإيقاع الله، وبإرادته. فمع هذا المذهب كيف يمكنه تقرير هذه المقدمة؟ وأما قوله:
«يلزم منه تكليف ما لا يطاق» فهذا أيضا وارد على مذهب الجبرية. لأنه تعالى يخلق الكفر في الكافر، ثم يأمره بالإيمان. فكذا هاهنا. فثبت: أنه لا سبيل إلى إثبات هذه المقدمة على مذهب الجبرية. ومتى تقيد [2] إثباتها، فقد تعذر الاستدلال بالقرآن والأخبار.
الوجه الثالث في تقرير هذا المطلوب: إن مذهب الجبرية: أنه تعالى هو الذي يخلق الكفر في الكافر ويريده، وكل من أراد شيئا، فإنه أيضا يريد كل ما أفضى إليه. ومعلوم: أن التلبيس والتدليس وإطلاق اللفظ لإرادة غير معناه مما يفضي إلى حصول الجهل والضلال. وذلك يقتضي على مذهب [الجبرية [3] ] أنه تعالى أراد بهذه الألفاظ غير ظواهرها، ومع هذا الاحتمال كيف يمكن التمسك بالقرآن؟
واعلم: أن للمعتقد في الجواب أن يقول: هذه الإلزامات أيضا واردة عليكم [وذلك [4] ] وإن نفينا الكذب في حق الله تعالى. إلا أن الوجوه العشرة التي ذكرناها قائمة. ومع تلك الوجوه العشرة لا يبقى شيء من الدلائل اللفظية: يقينية. فهذا جملة الكلام في هذا الموضع.
واعلم: أن جوابنا عن مجموع هذه السؤالات أن نقول: رأينا المعتزلة ملئوا كتبهم من الاستدلال بالآيات والأخبار، على أن العبد موجد لأفعال نفسه. فنقول: جواز التمسك بالدلائل السمعية. إما أن يكون موقوفا على العلم بكون العبد موجدا لأفعال نفسه، أو لا يكون موقوفا عليه. فإن كان
(1) من (ط، ل) .
(2) يفيد (م) .
(3) من (م، ل) .
(4) من (ط، ل) .