[130] ينافي كونه كذبا. قالوا: الدليل عليه: هو أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، وكل من كان عالما بشيء، لم يمتنع أن يخبر في نفسه، عن ذلك الشيء بخبر صدق. فلو كان [صدقه [1] ] تعالى كذبا، لكان ذلك الكذب قديما، والقديم يمتنع زواله. وإذا امتنع زوال الكذب، امتنع حصول الصدق. لأن اجتماع الضدين: محال. فثبت: أنه تعالى، لو كان كاذبا، لامتنع عليه أن يخبر عما علمه بخبر صدق، وقلنا: إن هذا الامتناع باطل، فثبت: أن كلام الله صدق.
واعلم: أن هذا الكلام ضعيف. لأنا نقول: كما أن العالم بالشيء يمكنه أن يخبر في نفسه عما علمه بخبر صدق، فكذلك يمكنه أيضا أن يخبر [عنه بخبر [2] ] كذب، وكون الكلام القديم صدقا، يمنع من إمكان هذا الكذب.
فإن منعوا هذا الإمكان في جانب الكذب، منعناه أيضا في جانب الصدق. ثم لئن سلمنا: أن الكلام القديم يجب كونه صدقا، إلا أنكم لما تمسكتم بآيات القرآن على أنه تعالى هو الموجد لأعمال العباد، فأنتم ما تمسكتم بذلك الكلام، القديم الأزلي المنزه عن أن يكون حرفا أو صوتا. وإنما تمسكتم بهذه الألفاظ المركبة المحدثة المسموعة. فهب أن ذلك الكلام القديم: صدق، إلا أن نقول: لم لا يجوز أن يقال: [إن [4] ] هذه الألفاظ التي نسمعها، ونستدل بها في هذه المسألة، تكون كلها أكاذيب وأضاليل وأباطيل؟ فثبت: أنه وإن كان الكلام القديم صدقا، إلا أن ذلك لا ينفع في القطع بصحة مدلولات هذه الألفاظ التي نسمعها. وإن خلط أحد البابين بالآخر، إما جهل أو تجاهل.
الوجه الثاني في بيان أن القول بأن العبد غير موجد لأفعال نفسه، يمنع من الاعتراف بأن القرآن حجة. لو أن مدار التمسك بالقرآن، وبسائر الدلائل اللفظية على أصل واحد، وهو أن [الأصل [3] ] في الكلام: الحقيقة.
لا دليل لنا على صحة هذه المقدمة، إلا أن نقول: لو أراد المتكلم من
(1) من (م) .
(2) من (ط)
(4) سقط (م) .
(3) من (ط، ل) .