[104] هي النفس، فهي حية لذواتها، فعالة لذواتها. فإذا اتفق أن نفذت تلك الأجسام الشريفة الروحانية النورانية في تضاعيف البدن، بقي البدن حيا، فعالا، دراكا، وإذا فسد مزاج البدن واستولت الأخلاط الغليظة عليه، وصار بحيث لا يقبل الآثار عن الجوهر، المسمى بالروح، وانفصل الروح عن البدن؟ فهذا احتمال لا بد من إبطاله.
والمقام الثاني: وهو أنا نسلم أن تلك الأجزاء التي هي الإنسان، مماثلة لسائر الأجسام في تمام الماهية، إلا أن الفاعل المختار يبقيها في داخل البدن، مصونة عن التغير والانحلال، من أول وقت الحياة إلى آخر وقت الممات، ثم إنها عند الموت تنفصل. والفاعل المختار يفعل ما بها ما يشاء. إما بأن يوصل إليها الروح والراحة والريحان، وإما بأن يعذبها بأنواع العذاب والخسران.
والجواب: اعلم: أن الفلاسفة يدفعون هذا الاحتمال، بناء على مقدمتين:
فالمقدمة الأولى: إنهم أقاموا الدلالة على أن جميع الأجسام، متماثلة في تمام الماهية. وقد سبق ذكر [1] هذا الدليل.
والمقدمة الثانية: إنه سبحانه وتعالى عام الفيض، ويمتنع أن يخص أحد المثلين بخاصية وأثر [لا يحصل في الثاني [2] ] وهذه المقدمة فلسفية محضة.
إذا ثبت هذا، فنقول: إن تلك الأجزاء الأصلية البدنية مساوية للأجزاء الفرعية القابلة للانحلال في تمام الماهية. وإذا ثبت هذا فنقول: نسبة الأحوال الموجبة للانحلال والذوبان إلى جميع الأجزاء الموجودة في هذا البدن: على التساوي. ويمتنع أن يقال: إن إله العالم خصص بعض تلك الأجزاء بالإبقاء، والصون عن الانحلال والفناء، من غير سبب مخصص. لأنا ذكرنا: أن الفيض عام، وأن الترجيح من غير مرجح محال [في العقول [3] ] وإذا كان الأمر
(1) من (م) .
(2) سقط (طا، ل) .
(3) سقط (ط) .