[322] ومقاصدها، والأمور إنما تعتبر بخواتيمها، فهب أنه سبحانه سوى بين الكل في جميع هذه الأمور لكن لما كان المقصود من جميع هذه الأمور وصول العبد إلى الخيرات والسعادات، وعلم الله سبحانه أن هذا المقصود لا يحصل، بل الحاصل ضده، وهو الضرر الدائم، والعقاب الشديد في الدنيا وفي الآخرة.
مثل أن يكون الكافر فقيرا أعمى، مبتلي بأنواع المحن، والآلام في الدنيا، ثم لما مات نقل إلى الدرك الأسفل من النار، فهذا الإنسان لم يستفد من هذه الحياة، ومن هذا التكليف إلا العناء والبلاء، والشدائد والمكاره في الدنيا والآخرة. وإذا كان كذلك فالإله الخالق العالم بعواقب هذه الأمور، علم أن تعريضه إياه للمنافع العالية لا يفضي إلى حصول شيء منها، فكان ذلك التعريض توسلا إلى تحصيل المطلوب بوسيلة حصل الجزم بأنه لا يفضي إليها، بل يفضي إلى أضدادها، والإقدام على مثل هذه الوسيلة قبيح في العقول. فلو كان حكم العقل بالتحسين والتقبيح معتبرا في أفعال الله، وفي أحكامه لوجب قبح التخليق وقبح التكليف. وحيث لم يكن الأمر كذلك، علمنا أن العقل معزول عن الحكم بالتحسين والتقبيح في أفعال الله وفي أحكامه. وهو المطلوب.
الحجة الثانية: لو كان تقبيح العقل وتحسينه معتبرا في أفعال الله وفي أحكامه لزم أن يقبح منه الخلق. وذلك باطل. فهذا باطل. بيان الشرطية: أن الأحداث إما أن يكون لنفع ومصلحة، أولا لمصلحة والأول باطل. لأن ذلك النفع إما أن يكون عائدا إلى الخالق أو إلى المخلوق.
والأول: باطل لوجهين: الأول: إن ذلك يوجب كونه تعالى محتاجا وهو محال. والثاني: إن تلك الحجة إما أن تكون قديمة أو حادثة، فإن كانت قديمة وجب أن يحصل تخليق العالم قبل ما وقع، لأن المقتضى للتخليق، لما كان هو تلك الحاجة وكانت تلك الحاجة حاصلة قبل ذلك الوقت، فحينئذ يكون المقتضى لحدوث ذلك الحادث حاصلا قبل حدوث ذلك الحادث، سليما عن المعارض. فوجب أن يحدث ذلك الحادث قبل أن يحدث وذلك محال. وإما إن كانت الحاجة حادثة عاد الكلام في المقتضى لحدوث الحاجة، ولزم التسلسل.