[321] السبب قلنا: التكليف من علم الله منه أنه يكفر ليس بقبيح. وهذا هو الطريق [1] الذي عليه يعولون.
والطريق الثاني: طريقة هشام بن الحكم. وهي: أن هذه الإشكالات إنما تلزم لو قلنا: إنه كان عالما في الأزل بأن فلانا يكفر، فإذا لم نقل بذلك، بل قلنا: إنه تعالى لا يعلم هذه الجزئيات إلا عند وقوعها اندفع الإشكال.
والجواب: عن الأول [2] من وجهين: الأول: لا نسلم أنه تعالى سوّى بين المؤمن وبين الكافر. والدليل عليه: أنه لو كان الكافر مساويا للمؤمن في الذكاء والبلادة. وفي الإنصاف وعدم الإنصاف، وفي الأعوان الخارجية وعدمهم، لكان الدليل الذي سمعه المؤمن واستفاد منه العلم بالمدلول، إذا سمعه الكافر وجب أن يستفيد منه ذلك المطلوب، فلما لم يكن كذلك علمنا أن ذلك التفاوت إنما وقع للتفاوت في قوة الخاطر وبلادته. وإن استويا في ذلك لكنهما تفاوتا (في الرغبة في طلب العلم، وإن استويا فيه لكنهما) [3] تفاوتا في المصابرة على مشاق طلب العلم، أو إن استويا، لكنهما تفاوتا في كيفية المزاج في كون أحدهما صفراويا حاد المزاج، محبا للخصومة والشغب، وكون الآخر بلغميا، بليد المزاج، سريع الانقياد للغير، وإن استويا في كل ذلك، لكنهما تفاوتا في وجدان العلم والكتاب والزمان وفراغ البال. فإن بتقدير حصول الاستواء في كل هذه الأمور، يمتنع وقوع التفاوت في العلم والجهل والإقرار والإنكار والإنصاف والعناد.
فيثبت بما ذكرنا: أن الذي يدعيه هؤلاء المعتزلة من التسوية بين المؤمن والكافر في جميع الأمور: باطل، بعيد عن الدلائل والاعتبارات [4] والوجه الثاني في الجواب: إن المبادي والوسائل إنما تراد لغاياتها
(1) الحرف (م) .
(2) الطريق الأول.
(3) من (م، س) .
(4) لزيادة بيان اقرأ الجزء التاسع من المطالب العالية.