[99] فهذه الدلائل الستة دالة على أن القول بأن مؤثر العالم موجب بالذات، لا فاعل بالاختيار قول باطل.
وقالت الفلاسفة: أما الحجة الأولى: فضعيفة. لأنا على تقدير أن نسلم أن العالم محدث، وأن القول بحوادث لا أول لها باطل. إلا أنا نقول لهم لم لا يجوز أن يقال: إن العلة الأولى علة، موجبة لذاتها وجود شيء، هو فاعل مختار. ثم إن ذلك الفاعل المختار، أحدث هذا العالم باختياره؟ فإن بهذا [1] التقدير تكون العلة الأولى موجبة بالذات، ويكون فاعل هذا العالم فاعلا مختارا، فيثبت أن هذا الدليل لا يفيد أن واجب الوجود لذاته فاعل مختار. ثم نقول: لم لا يجوز أن تكون العلة الأولى موجبة بالذات، ثم يصدر عنها المعلول في بعض الأوقات دون البعض؟ (وهو محال) [2] فنقول: وهذا أيضا لازم في القادر، فإن عندكم العالم صدر عن القادر المختار في بعض الأوقات دون البعض [3] من غير مخصص البتة. فإن عقل ذلك فلم لا يعقل مثله في العلة الأولى [4] ؟
والسؤال الثالث: إن صحة وجود العالم إما أن يكون لها أول، وإما أن لا يكون لها أول، والأول باطل وإلّا لزم أن يقال: إن قبل ذلك الأول ما كانت الصحة الذاتية حاصلة، فيلزم أن يقال: العالم كان ممتنعا لعينه، ثم انقلب ممكنا لعينه. وذلك محال. ولما بطل إثبات الأول لتلك الصحة ثبت أنه لا أول لها، فيلزم أن يقال العالم صحيح الوجود في الأزل، وإذا كان الأمر كذلك فمع هذا القول يمتنع أن يقال: إن كون العالم أزليا محال. وهذا يوجب سقوط هذه الحجة بالكلية.
وأما الحجة الثانية: فالكلام عليها: إن عين ما التزمتموه في الموجب، فهو بعينه لازم في القادر. فإنا بينا أن القادر لا يمكن أن يرجح أحد المثلين على
(1) فإن (م) .
(2) من (م) .
(3) من (م، س) .
(4) الأولى (س) .