[124] أحدها: إنا نصف تلك الماهية بالوجوب. ووصف الشيء بنفسه محال.
لأنا ندرك تفرقة بديهية بين قولنا: هذه الذات، وبين قولنا: هذه الذات واجبة الوجود.
وثانيها: إنه لو كان الوجوب هو نفس تلك الماهية، لكان كل من عرف الوجوب بالذات عرف تلك الماهية المخصوصة، ولما لم يكن الأمر كذلك، علمنا أن الوجوب ليس نفس الماهية.
وثالثها: إن نقيض قولنا: واجب لذاته: أنه ليس بواجب، ولا يناقضه قولنا: إنه ليس تلك الذات الفلانية، ولو كان الوجوب نفس تلك الذات لكان نقيض أحدهما، عين نقيض الآخر.
وأما بيان أنه لا يجوز أن يكون الوجوب جزءا للماهية. لأنكم لما ذكرتم أن كل ماله جزء فهو: ممكن، فلو كان الواجب بالذات له جزء، لكان ممكنا بالذات.
وأما بيان أنه لا يجوز أن يكون خارجا عن الماهية. فلوجهين: الأول: إن كل صفة خارجة عن الماهية فهي مفتقرة إلى تلك الماهية، والمفتقر إلى الغير ممكن لذاته، وواجب بغيره، فيلزم أن يكون الواجب بالذات ممكنا لذاته ويلزم منه الجمع بين النقيضين، وهو محال. وأيضا: فلما كان الوجوب بالذات واجبا بغيره، كان وجوب ذلك الغير سابقا على وجوب هذا الأثر، فيلزم أن يحصل قبل ذلك الوجوب، وجوب آخر إلى غير النهاية. وذلك محال.
والثاني: إن الصفة مفتقرة إلى الذات، محتاجة إليها، فلو حكمنا بأن وجوب تلك الذات إنما كان بسبب هذه الصفة لزم كون كل واحد منهما مفتقرا، إلى الآخر وهو محال، فيثبت بما ذكرنا: أنه يمتنع كون الوجوب بالذات نفس الماهية، ولا جزءا منها، ولا صفة خارجة عنها فيمتنع كون الوجوب صفة ثبوتية.