فهرس الكتاب
الصفحة 1797 من 2479

[270] وإن كان الثاني، فعلم تلك الأسباب العالية الفعالة العالمة بمصالح هذا العالم:

أكمل وأتم وأوفى من علم البشر. فإن كان الأصلح حصول ذلك الشيء، فتلك العلل العالية لا تبخل بها البتة. وإن كان الأصلح عدم ذلك الشيء، كان طلب تحصيله بالدعاء: جهلا. وحكمة العلل العالية تمنعها عن الإقدام على فعل ما لا ينبغي.

الحجة الخامسة: إن الأسباب العالية الفلكية إن كانت فاعلة لذلك الفعل، لم يكن في هذا الدعاء فائدة. وإن كانت ممتنعة من ذلك الفعل، كان اشتغال هذا الإنسان بطلب تحصيل ذلك الفعل، يجري مجرى المنازعة مع الأسباب الفلكية. والضعيف إذا قاوم القوي، لم يستفد منه إلا المقت والرد والحرمان.

الحجة السادسة: إن المشتغل بالدعاء. إما أن يكون قد حصل في قلبه نوع من المكاشفات الروحانية، أو لم يحصل ذلك. فإن لم يحصل ذلك، كان ذلك الدعاء مجرد تحريك اللسان، ولا فائدة فيه إلا تكثير الهذيان. وإن حصل فيه ذلك الكشف. فإن كان الكشف قويا تاما، صارت النفس مستغرقة في تلك الأضواء والأنوار، تبقى النفس مع ذلك المقدار من ذلك الكشف، طالبة لهذه الأغراض الجسمانية [1] راغبة في تحصيلها. كانت تلك القوة الحاصلة من تلك المكاشفة ضعيفة جدا. وحينئذ لا تفيد شيئا.

الحجة السابعة: إن الدعاء يجري مجرى تنبيه الغافل وإعلام الجاهل.

فكأنه يقول لمعبوده: تركت الجود والفضل والرحمة. فأنا أعلمك أن الأولى فعله. ولا شك أن هذا مبالغة في سوء الأدب.

الحجة الثامنة: إن من حضر في مجلس السلطان القاهر، فإن الأدب يقتضي أن لا يشافهه بالطلب. ورعاية هذا الأدب [2] في حضرة ذي الجلال أولى.

(1) الخسيسة (ل) .

(2) الطلب (ل) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام