[106] مجردا. وذلك لأن في الساعة التي ذكرتم، كما يكون الإنسان غافلا عن القلب والدماغ، فغفلته عن الجوهر المجرد أتم وأكمل. فإن دل ما ذكرتم على أن النفس ليست عبارة عن القلب والدماغ [وغير هما [1] ] فبأن يدل على أنها ليست عبارة عن الجوهر المجرد: كان أولى.
السؤال الثالث: إن الدليل الذي ذكرتم قائم في جميع الحيوانات، فيلزمكم أن تثبتوا لها نفوسا ناطقة مجردة. وذلك بعيد.
والجواب عن السؤال الأول: أن نقول: إنا قد دللنا في باب «نفي الهيولى [2] » أن كون الجسم جسما متحيزا، لا يمكن أن يكون صفة قائمة بمحل آخر، بل هو ذات قائمة بنفسها، مستقلة بذاتها. وإذا ثبت هذا فنقول: ذلك الإنسان إما أن يكون متحيزا وإما أن لا يكون كذلك. فإن كانت ذاته جوهرا متحيزا وجب أن يكون العالم بتلك الذات: عالما بالمتحيز، وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد معلوما مجهولا معا. وهو محال. لكنه لا يجب ذلك، بدليل:
أنه إذا كان شديد الاهتمام بأمر من الأمور، فإنه في تلك الساعة[قد يقول:
قلت كذا، وفعلت كذا. فهو في تلك الساعة عالم بذاته المخصوصة، مع أنه في تلك الساعة [3] ] يكون غافلا عن معنى التحيز الذاهب في الجهات الستة.
فثبت: أنه لو كانت ذاته متحيزة، لكان كل من عرف ذاته، وجب أن يكون عارفا بالمتحيز، وثبت: أنه قد يعرف ذاته، حال ما يكون غافلا عن المتحيز، فوجب أن لا تكون ذاته متحيزة. وإذا لم تكن ذاته متحيزة، وجب أن تكون ذاته [4] جوهرا مجردا. وهو المطلوب.
وأما السؤال الثاني: وهو قوله: «إن هذا الكلام بعينه يدل على أن ذاته يمتنع أن تكون جوهرا مجردا» فنقول: هذا غير لازم، لأن الجوهر المجرد ذات
(1) من (م) .
(2) كت ب الهيولي (م) .
(3) من (ل) .
(4) ذاته مجردة (م) .