[333] ما إذا قيل: إن طلوع نور الشمس نفخ في أبدان الحيوانات قوة الحياة. وكلما كان طلوع ذلك النور أتم، كان ظهور قوة الحياة في الأبدان أكمل. ثم كلما طلع قرص الشمس رأيت الناس وسائر الحيوانات يخرجون من مساكنهم [1] ، ويبتدئون الحركة. وما دامت الشمس صاعدة إلى وسط سمائهم، كانت حركتهم في الزيادة [والقوة [2] ] فإذا انحدرت الشمس من وسط السماء، فكأنها أخذت في الضعف، لا جرم أخذت حركات أهل تلك المساكن وقواهم في الضعف. ولا يزال كذلك إلى زمان غيبوبة الشمس. فإذا غابت وظهر الظلام في العالم، استولى الخوف والفزع، والفتور والنقصان على الخلق. ورجعت الحيوانات إلى بيوتها وأحجارها. فإذا غاب الشفق، هدأت الأبدان وسكنت.
وصارت كالميتة المعدومة. فإذا طلع الصبح عليهم، عادت الأحوال المذكورة مرة أخرى. وهذا يدل على أنه تعالى دبر أحوال النّير الأعظم، بحيث صار كالسلطان لعالم الأجسام في السموات وفي العناصر.
والوجه الخامس من منافع الشمس: أنها متحركة. فإنها لو كانت واقفة في موضع واحد، لاشتدت السخونة في ذلك الموضع، ولاشتد البرد في سائر المواضع، لكنها تطلع في أول النهار من المشرق، فيقع [نورها [3] ] على ما يحاذيها من جهة المغرب، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة، حتى تنتهي إلى المغرب. فتشرق حينئذ على الجوانب الشرقية، وحينئذ لا يبقى موضع مكشوف في الشرق والغرب، إلا ويأخذ حظا من شعاع الشمس. وأما بحسب الجنوب والشمال، فجعلت حركتها مائلة عن منطقة الفلك الأعظم، فإنه لو لم يكن للشمس حركة في الميل [4] ، لكان تأثيرها مخصوصا بمدار واحد، فكانت سائر المدارات تخلو عن المنافع الحاصلة منه، وكان يبقى كل واحد من المدارات على كيفية واحدة أبدا. فإن كانت حارة
(1) أمكنهم (ت)
(2) من (س)
(3) من (س)
(4) الليل (ط)