[318] البعض، ورغب البعض في البعض على أقصى الوجوه، ثم وضع عندهم كل ما يحتاجون إليه من الأطعمة والأشربة وحصل في قلوبهم شهوة أن يفجر بعضهم بالبعض، وقوى تلك الشهوة، وأزال الموانع. ثم يقول: إني إنما فعلت ذلك حتى يجتهد كل واحد منهم في منع نفسه عن تلك الشهوات، حتى يستوجب مزيد الثواب والكرامة. ثم إنه يعلم علما يقينا أنه لا تحصل هذه العصمة والطهارة البتة، وأن الحاصل ليس إلا الفجور والفسق، فإن كل أحد يكذبه في دعواه، ويقول له: إنك ما أردت إلّا فتح باب الفجور والشرور.
المثال الثالث: من دفع سكينا إلى عبده، وعلم يقينا أنه متى دفع ذلك السكين إليه فإنه يقتل به ولده، ثم إنه مع هذا اليقين، يقول: إني إنما دفعت هذا السكين إليه ليقتل به عدوا لي [1] . فإن كل أحد يكذبه، ويقول: إنك لما علمت علما يقينا أنه لا يقتل بذلك السكين إلا ولدك، ثم إنك دفعته إليه، وأزلت عنه جميع الموانع من قتل ولدك. دل هذا على أنك كنت ساعيا في قتل ولدك.
المثال الرابع: من وقع في بئر، فألقى إنسان إليه حبلا. ويعلم هذا الملقى يقينا أنه متى ألقى الحبل إليه، فإنه يخنق بذلك الحبل نفسه. ثم إنه مع هذا اليقين ألقى ذلك الحبل إليه، حكم كل أحد بأنه إنما ألقاه إليه ليقتل به نفسه.
المثال الخامس: قال محمد بن زكريا الرازيّ. في المناظرة الطويلة التي دارت بينه وبين الكعبي [2] : إن رجلا لو علم ابنه السباحة حتى تمهر فيها، ثم كلفه عبور نهر، ليصل إلى موضع فيه دواء يشفيه من مرض به، إلا أنه عالم بأن ابنه هذا سيمسك عن السباحة باختياره حتى يصير ذلك سببا لغرقه، ثم إنه مع هذا العلم يأمر ولده بالسباحة، ولم يمنعه منه أشد المنع، فإنه يعد ذلك الأب عاق، غير ناظر لذلك الولد. ولا مريدا للأمر الأصلح له.
(1) لله (س) .
(2) الكلبي (م) .