[312] أن يقال: إن كونه مثلثا ينفك عن الموجود وعن المعدوم، فهذا محال لأن الشيء إما أن يكون له حصول في الأعيان، وإما أن لا يكون له حصول في الأعيان، وكونه خاليا عنهما أمر محال في العقل. فالحاصل: أن كونه مثلثا مغاير لكونه موجودا أو معدوما، ولكنه يمتنع أن ينفك عنهما معا. وإذا عرفت هذا فنقول:
إذا فرضنا أن حقيقة من الحقائق، وماهية من الماهيات كانت علة لوجود نفسها، فعلة الوجود هي تلك الماهية من حيث هي هي لا كونها موجودة ولا كونها معدومة، وحينئذ يصدق أن يقال: مبدأ ذلك الوجود لا موجود ولا معدوم، ويصدق أيضا أن يقال: المبدأ موجود وهو أحق الموجودات بكونه موجودا.
أما الأول: فإنما يصدق لما بينا أن مبدأ ذلك الوجود هو تلك الماهية، وبينا أن تلك الماهية من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة. وأما الثاني: فإنما يصدق لأن تلك الماهية لما كانت علة لذلك الموجود لعينها ولذاتها، فحينئذ يمتنع عقلا خلو تلك الماهية عن الوجود، فكانت لا محالة موجودة، وكانت أحق الموجودات بصفة الوجود.
إذا عرفت هذا فنقول: عقل من بعض الناس أنهم قالوا: المبدأ الأول لا موجود ولا معدوم، بل هو هو فقط، وأنه هوية لا يمكن التعبير عنها بالوجود والعدم.
وأما الجمهور فإنهم اتفقوا على أن المبدأ الأول موجود، بل هو أحق الموجودات بصفة الموجودية، وطالت المنازعات بين الفريقين في هذا الباب، وإذا تأملت في الكلام الذي بحثناه وشرحناه علمت أن النزاع واقع في اللفظ المحض [وبالله التوفيق] [1] .
(1) من (ز) .