[236] فهذه الآية مشتملة على ثمانية أنواع من الدلائل. فالثلاثة الأول من الدلائل الفلكية، وهي قوله تعالى: إِنّ فِي خلْقِ السّماواتِ والْأرْضِ واخْتِلافِ اللّيْلِ والنّهارِ والخمسة الباقية من الدلائل، هي دلائل عالم العناصر، وهي قوله تعالى: والْفُلْكِ الّتِي تجْرِي فِي الْبحْرِ بِما ينْفعُ النّاس ثم ذكر بعده دلائل النبات فقال: وما أنْزل اللهُ مِن السّماءِ مِنْ ماءٍ فأحْيا بِهِ الْأرْض بعْد موْتِها ثم ذكر بعده دلائل الحيوان فقال وبثّ فِيها مِنْ كُلِّ دابّةٍ ثم ذكر دلائل الآثار العلوية وذكر فيها نوعين: الرياح والسحاب. فقال: وتصْرِيفِ الرِّياحِ والسّحابِ الْمُسخّرِ بيْن السّماءِ والْأرْضِ ولما ذكر هذه الدلائل الثمانية قال: لآياتٍ لِقوْمٍ يعْقِلُون. ونختم هذه الفصول بخاتمة عظيمة النفع، وهي أن الدلائل التي ذكرها الحكماء والمتكلمون وإن كانت كاملة قوية، إلا أن هذه الطريقة المذكورة في القرآن عندي: أنها أقرب إلى الحق والصواب، وذلك لأن تلك الدلائل دقيقة، وبسبب ما فيها من الدقة انفتحت أبواب الشبهات، وكثرت السؤالات.
وأما الطريق الوارد في القرآن فحاصله راجع إلى طريق واحد وهو المنع من التعمق، والاحتراز عن فتح باب القيل والقال، وحمل الفهم والعقل على الاستكثار من دلائل العالم الأعلى والأسفل. ومن ترك التعصب، وجرب مثل تجربتي، علم أن الحق ما ذكرته، ولما ثبت أن هذا الطريق الذي ذكره الله في القرآن أنفع، وفي القلوب أرجح [1] ، لا جرم أفردنا له بابا مستقلا، وهو القسم الثاني من هذا الكتاب. ونسأل الله تعالى الهداية والرحمة والإرشاد إلى الحق، بفضله. فإنه خير موفق ومعين.
(1) أوقع (س) .