[82] والحكيم إذا فوض أعظم المناصب وأجلها إلى بعض عبيده، فإنه لا يليق به إلقاء ذلك العبد في الذل والهوان. ونرى أن الرسول البشري واقعا في الذل والهوان، بسبب الجوع والفقر [والخوف من الأعداء [1] ] والفرار من قرية إلى قرية أخرى، وطلب الأموال القليلة من أصحابه.
فيثبت بهذه الوجوه: إن إرسال الرسول من الملائكة أفضى إلى المقصود [من إرساله من البشر [2] ].
[فإن قالوا: إرسال الرسول من الملائكة، يوجب أنواعا من المفاسد.
أولها: أن الأمة إما أن يشاهدوا ذلك الملك على صورته الأصلية، أو على صورة أخرى مستعارة، والأول يوجب الخوف الشديد، وزوال العقل. ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى جبريل عليه السلام على خلقته الأصلية [3] غشى عليه. والثاني باطل. لأنه إذا رأى الملك على صورة الإنسان، فحينئذ لا يبقى بينه وبين الإنسان فرق.
وثانيها: إن الملائكة فيهم شدة عظيمة [4] وقهر شديد، فهم لا يسامحون البشر في زلاتهم ومعاصيهم، بخلاف الرسول البشري.
وثالثها: إن الجنس إلى الجنس أميل. فإلف الناس برسول يأتيهم من جنسهم، أكمل من إلفهم بالملك.
قلنا: أما السؤال الأول فمدفوع. فإنا نقول: خلق الخوف، والفزع في قلوب العباد من الله تعالى، فكان يجب أن يجعل قلوب البشر، بحيث إذا شاهدوا الملك، لم يفزعوا منه، فيصير هذا المعنى معجزة على صدق ذلك الملك.
(1) سقط (ت) .
(2) من (ل) ، (طا) .
(3) الأولى (ت) .
(4) قوة شديدة (ت) .