فهرس الكتاب
الصفحة 1117 من 2479

[360] الكواكب والأفلاك. فتلك الحركات كيف حصلت؟ فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل، وإن كان من الخالق الحكيم، فذلك يوجب الإقرار بوجود الإله [تعالى [1] ] وهذا هو المراد بقوله تعالى: وسخّر لكُمُ اللّيْل والنّهار والشّمْس والْقمر والنُّجُومُ: مُسخّراتٌ بِأمْرِهِ. إِنّ فِي ذلِك لآياتٍ لِقوْمٍ يعْقِلُون [2] فجعل مقطع هذه الآية قوله لِقوْمٍ يعْقِلُون والتقدير:

كأنه قيل: إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل. فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك. وذلك هو الإله القادر المختار. ولما تم الدليل في هذا المقام، لا جرم جعل مقطعه قوله: إِنّ فِي ذلِك لآياتٍ لِقوْمٍ يعْقِلُون.

والوجه الثاني من الجواب: هو أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة، والحبة الواحدة: واحدة. ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد: أحد وجهيها في غاية الحمرة، والوجه الثاني في غاية السواد. فلو كان المؤثر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت، لأنه تقرر في العقول:

أن تأثير الموجب بالذات لا يختلف. وحيث حصل التفاوت في الآثار، أن المؤثر قادر مختار. وهذا هو المراد من قوله: وما ذرأ لكُمْ فِي الْأرْضِ مُخْتلِفاً ألْوانُهُ. إِنّ فِي ذلِك لآيةً لِقوْمٍ يذّكّرُون [3] كأنه قيل له: تذكر ما ترسخ في عقلك من أن الموجب [4] بالذات والطبع، لا يختلف تأثيره. فلما رأيت بعينك حصول هذا الاختلاف، فاعرف أن المؤثر فيه ليس هو الطبائع الموجبة بالذات، بل المؤثر فيه هو الفاعل المختار. فلهذا السبب جعل مقطع هذه الآية: قوله: لِقوْمٍ يذّكّرُون ولنكتف من هذا الجنس بهذا القدر، فإنه بحر واسع. وقد ذكرناه على سبيل الاستقصاء في «التفسير الكبير» فمن أراد هذا النوع فعليه بذلك الكتاب. والله أعلم [بالصواب [5] ]

(1) من (ت)

(2) النحل 12

(3) النحل 13

(4) كأنه قيل له: مذكور ينتج في عقلك من أن الواجب بالذات الخ (ت)

(5) من (ت)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام