[326] أحدهما: الأشكال التي حصلت على سبيل الاتفاق من غير أن يحتاج حصولها إلى فعل [فاعل [1] ] حكيم.
والثاني: الأشكال التي يشهد صريح العقل، بأنها لا تحصل إلا بقصد فاعل حكيم.
أما القسم الأول: فمثل الحجر المنكسر، والكوز المنكسر. فإنه لا بد وأن يكون لتلك القطعة من الحجر والخزف شكل مخصوص معين، إلا أن صريح العقل شاهد بأن ذلك الشكل، وقع على سبيل الاتفاق، ولا يتوقف حصولها على فعل فاعل مختار.
وأما القسم الثاني: فهو مثل الأشكال الواقعة على وفق المصالح والمنافع.
ونذكر منها مثالا واحدا: وهو أنا لما نظرنا إلى الإبريق، رأينا فيه ثلاثة أشياء:
أحدهما: الرأس الواسعة. وثانيها: البلبلة الضيقة. وثالثها: العروة.
فلما تأملنا في هذه الأجزاء الثلاثة، ووجدناها موافقة لمصلحة الخلق، فإنه لا بد من توسيع رأس الإبريق، حتى يدخل الماء فيه بالسهولة، لا بد من ضيق بلبلة الإبريق، حتى يخرج منها الماء، بقدر الحاجة. ولا بد لها من العروة، حتى يقدر الإنسان على أن يأخذها بيده. فلما وجدنا هذه الأجزاء الثلاثة في الإبريق مطابقة للمصلحة: شهد عقل كل أحد بأن فاعل هذا الإبريق، لا بد وأن يكون قد فعله بناء على الحكمة، ورعاية للمصلحة. ولو أن قائلا قال: إن هذا الإبريق تكوّن بنفسه من غير قصد قاصد حكيم ولا فعل فاعل عالم. بل اتفق تكونه بنفسه كما اتفق تشكل هذه القطعة من الخزف بهذا الشكل الخاص، من غير قصد [قاصد [2] ] حكيم، ولا جعل جاعل عليم، لشهدت الفطرة السليمة، بأن هذا القول: قول باطل محال.
إذا عرفت هذه المقدمة، فنقول: إنا لما شاهدنا في الإبريق هذه الأجزاء الثلاثة مطابقة للمنفعة، وموافقة للمصلحة، شهدت الفطرة الأصلية،
(1) من (ط)
(2) من (ط)