ولد الأشعري رضي الله عنه بالبصرة (سنة 260 هـ) وتوفي سنة (نيف وثلاثين وثلاثمائة بعع الهجرة) تخرج على المعتزلة في علم الكلام، وكان شيخه في ذلك العصر (أبا علي الجبائي) وكان أبو علي الجبائي ينيبه عنه للمناظرات، والجدل لفصاحته ولسنه. ومع تلك التولية التي كانت تكسب الأشعري محمدة في قوله، كان يشعر أنه بعيد عن معتقد المعتزلة، ويخالفهم ف التفكير والمنهج، وكأن شيئا خفيا يجذبه دائما إلى الميل إلى آراء الفقهاء والمحدثين من أهل السنة والجماعة مع أنه كان بعيدا عنهم كل البعد، حتى ولم يكن يعلم ما هو مبدأهم في تقرير العقيدة على النحو التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، ولقد فعل حسنا حينما اعتكف في بيته ليقارن بين أدلة المعتزلة والمحدثين، وقد تبين للرجل الحق من الباطل، ولم يكتم الحق لأن الله تعالى هو الحق المبين، فخرج إلى الناس، وحثهم على الاجتماع إليه ليسمعهم أمرا عظيما، وقد ترامى الناس إليه ليسمعوا ما هو النبأ الذي سيحدثهم به فرقى المنبر يوم الجمعة (( بالمسجد الجامع ) ) [بالبصرة] وقال: (( أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا(فلان بن فلان) كنت أقول: بخلق القرآن، وأن الله لا يرى بالأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع متصد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم، معاشر الناس ... إنما تغيبت عنكم هذه المدة لأني نظرت فتكا فأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي شيء على شيء، فاستهديت الله تعالى، فهداني إلى اعتقاد أودعته كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت اعتقد، كما انخلعت من ثوبي هذا (وانخلع من ثوب كان عليه) ودفع للناس ما كتبه على طريقة (أهل السنة والجماعة) من الفقهاء والمحدثين، وقد بين مذهبه، ومآخذه على المعتزلة إجمالا في مقدمة كتابه (( الإبانة ) )وقد جاء فيها حمدا لله والثناء عليه (( أما بعد ) )فإن كثيرا من المعتزلة وأهل القدر حالت بهم