ورد في عدد من التفاسير أن موسى عليه السلام، أجاب سريعا، وما يدري من دعاه، فقال: إني أسمع صوتك، ولا أدري مكانك، فأين أنت؟ فقال تعالى: (( أنا فوقك، ومعك، وأمامك، وخلفك وأقرب وغليك منك ) ).
فعلم أن ذلك لا ينبغي ولا يكون إلا من الله فأيقن به، وسمع الكلم بكل أجزائه، حتى إن كل جارحة منه كانت أذنا وسمعه من جميع الجهات )) . إذا لو كان كلامه تعالى بالحروف، أو مثل كلام الآدمين لما سمعه كذلك. بل ما كان سمعه إلا بأذنيه.
قبل بيان هذا أقول: تقدم معنا بحث (( من هم السلف ومن هم الخلف، وهل هم متفقون في الصفات أم مختلفون ) )وبينت أن السلف هم من كانوا قبل القرون الثلاثة الأولى. الذين خصهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالفضيلة دون غيرهم. بقوله: (( خير الناس قرتي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ) ). رواه الشيخان، ومما لا شك فيه أن الرسول يعني بذلك من يقتدى بهم من أهل العلم والحكمة والفطنة. ويدخل فيهم دخولا أوليا أئمة المذاهب الأربعة، بدليل أن مدة القرن الأول وهم الصحابة من البعثة حتى مائة وعشرين سنة، أو دونها أو فوقها بقليل على الخلاف في وفاة أبي الطفيلي آخر من مات من الصحابة، ومآثر الصحابة رضي الله عنهم وفضائلهم معروفة للناس جميعا، فهم الذين خصهم الله برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وسماعهم القرآن من فيه فضا طريا، وحفظوه في صدورهم كما حفظوا أحاديث نبيهم، وقد كان مالك رضي الله عنه إذا شك في الحديث تركه البتة فلا يحدث به، وهو ليس من قرنهم بل هو من القرن الثاني، فما بالك بهم وهم الخيار حماة راية الإسلام، والذود عنها بالأنفس والمهج والمال، وصفهم ابن مسعود رضي الله عنه بوقوله: (( من كان منكم متأسيا فليتأس