فهرس الكتاب
الصفحة 147 من 332

بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقدمها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم )) وحالهم رضي الله عنهم في العلم وكمال المعرفة مما لا يدركهم فيه أحد من العالمين، ويكفي في إمامتهم لجميع الخلق، ولا يكون كذلك إلا من بلغ المرتبة العليا في الاجتهاد. قال فيهم عليه الصلاة والسلام: (( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) ).

ولقد كانوا رضي الله عنهم متعرضين لدعاء جميع الخلق إلى الله تعالى، وإقامة حجة الله تعالى عليهم، وإليهم المرجع في أزمنتهم في معاني المتشابه من القرآن، وفي معاني المسائل المعضلة، وجميع الحوادث النازلة، فلما مضوا طاهرين عقبهم التابعون لهم رضي الله عنهم، وهم المرادون بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم (( ثم الذين يلونهم ) )أي القرن الذي بعد قرنه، ومدتهم نحو سبعين أو ثمانين سنة إن اعتبر من سنة مائة، وقد جمعوا ما كان من الأحاديث متفرقا، وكان أحدهم يرحل في طلب الحديث الواحد. وفي المسألة الواحدة، الشهر والشهرين، وضبطوا أمر الشريعة، أتم ضبط، وتلقوا الأحكام والتفسير من الصحابة رضوان الله عليهم، وقد ذكرنا أن حال الصحابة في العلم قد بلغ درجة الكمال، لأنهم تلامذة محمد عليه الصلاة والسلام، فكان من لقي مثل هؤلاء كيف يكون علمه، وكيف يكون حاله وعمله؟! فحصل للقرن الثاني نصيب وافر أيضا في إقامة الدين ورؤية من رأى بعيني رأسه صاحب الشريعة صوات الله وسلامه عليه، فلذلك كانوا خيرا من الذين بعدهم، ثم عقبهم الذين يلونهم، وهم أتباع التابعين نحوا من الخمسين إلى حدود العشرين ومائتين، وفيهم حدث الفقهاء المقلدون. المرجوع إليهم في النوازل، الكاشفون الكروب أئمة ديننا (أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم أجمعين) فصار كل من يأتي بعدهم في ميزانهم، ومن بعض حسناتهم، فإن ما قال عليه الصلاة والسلام:

(( خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام