ومما أحدث في نفسي أثرا لا يمحى، وفي الذاكرة سيبقى حتى الممات، بل وحتى وقوفي بين يدي الله ما وقع في بعض القرى من التي يعتنق أهلها المذهب الوهابي، أن ضرب المؤذن وأهين في المسجد أكثر من مرة لرفعه الصلاة، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، فلماذا هذا التعصب الأعمى الذي يفرق ولا يجمع، ويمزق ولا يرقع؟ فإذا كانت الدعة الوهابية، أو السلفية شديدة التمسك بالسنة، ونبذ كل بدعة، فليس الأمر على إطلاقه، فقد أحدثت في الشريعة الإسلامية كثير من البدع الحسنة، وقام إجماع المسلمين على استحبابها والعمل بها، وعلى راسها بدعة عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح أن جمع الناس على إمام واحد، وصلاة عشرين ركعة، حفاظا على وحدة الجماعة، والألفة بين المؤمنين.
وعلى هذا الأساس أقول: إن كافة المسلمين في مشارق الأرض، ومغاربها قد أجمعوا على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان منذ أن أحدثت بدعة حسنة، ولم يشذ بلد إسلامي في ذلك العهد عن إجماع الأمة، بل الأمر على العكس من ذلكن فقد نص الأئمة في كتبهم على استحبابها، وأنها بدعة كريمة يعمل بها، لما فيها من الإشادة بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكير الناس بها، فأكثروا أيها المسلمون من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في المآذن وغيرها لترفعوا ذكره، كما رفعه الله بقوله:
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]
ولتنالوا بالصلاة عليه عز الدنيا والآخرة، وروى الإمام أحمد في مسنده (جـ 3 ص 1737) (( حدثنا عبد الملك بن عمرو، وأبو سعيد قالا: حدثنا سليمان ابن بلال، عن عمارة بن عزية، عن عبد الله بن علي بن حسين، عن أبيه(علي ابن حسين عن أبيه) : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( البخيل من ذكرت عنده، ثم لم يصل عليّ صلى الله عليه وسلم ) )بسند صحيح