فالتمس صاحب الضيافة بيانه. فقال الامام إِن هاهنا فقيراً مديوناً بألف درهم أدِّ عنه دينْه حتى أبيّنه. فقال صاحب الضيافة: دينهُ عليّ. فقال:"إِنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما ذهب في المعراج إِلى ما شاء اللَّه من العُلا قال هناك:"لا أُحصي ثناءً عليكَ أنت كما أثنيتَ على نفسِكَ"."
ولما ابتلي يونس عليه السلام بالظلمات في قعر البحر ببطن الحوت قال: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} . فَكُلٌّ منهما خاطب بقوله"أنت"وهو خطاب الحضور. فلو كان هو في مكان لما صح ذلك. فدل ذلك على أنه ليس في [مكان] .
(فإِن قلتَ) : فليكن في كُلِّ مكان (قلتُ) قد أشرتُ إِلى أنه في كل مكان بآثار صفاته، وأنوار ذاته، لا بذاته كما أنّ الشمس في كل مكان بنورها وظهورها لا بوجودها وعينها، ولو كان في كل مكان بالمعنى الذي أراده جهلة المتصوفة، فيقال: فأين كان هو قبل خلق هذه العوالم، ألم يكن له وجود متحقّق؟ فإِن قالوا: لا، كفروا. وإن قالوا بالحلول والانتقال، فكذلك. لأن الواجب لا يُقارن الحادث إلا بالتأثير، والفيض، وظهور كمالاته لكن من حيث إنه حادث مطلقاً، بل من حيث إنّ وإِن وجوده مُستفاضٌ منه فافهم، فإِن (قلتَ) فإذا كان تعالى منزهاً عن الجهة والمكان. فما معنى رفع الأيدي إِلى السماء وقت الدعاء؟ (قلتُ) : معناه الاستعطاءُ من الخزائن لأن خزائِنه تعالى في السماء، كما قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} . {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} فثبت أن العرش مظهرُ استواء الصفة الرحمانية، وأن من يثبتُ له تعالى مكاناً فهو من المجسمة، ومنهم جهلةُ المتصوفة القائلون: بأنه تعالى في كل مكان، ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق. الخارجين عن طريق العقل: والنقل والكشف"أهـ."
قلتُ) فقد علمت من هذا الحبر المحقّق، والعلامة المدقق أنه كفّر من اعتقد، أو من سيعتقد أن اللَّه عز وجل له مكان، أو يحلّ في شيء من مخلوقاته،