(قلت) : وتعلم أن الخطاب من الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعتصر على أمة دون أمة، بل هو نهي لكافة المسلمين في أي مكان وجودوا فيه في الجنوب والشمال والمشرق والمغرب، وكل يتجه في صلاته إلى الكعبة المشرفة. فإذا كان كل مصل موجها إليه النهي ن البصاق إلى القبلة، لأن الله في مقابل وجهه، فهل تستطيع أن تحد الله بعد هذا بجهة مخصوصة؟
أجاب الأخ السلف: إن معنى كلامي هذا هو أن الله تعالى موجود في كل مكان.
(قلت) نعم يا أخي وهذا ما قصدته، لكنه وجود منزه عن الفوقية، والتحتية والظرفية، وجود بعلمه، وهو كما كان قبل خلق المكان والزمان، ومما يدل على نفي الفوقية عن الله تعالى. إذ لو كان تعالى في جهة الفوق لما كان للنهي عن البصاق إلى القبلة معنى، ولكان لغوا وعبثا، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك.
(قلت) : ولكي تزداد يقينا بنفي الجهة عن الله تعالى اسمع قوله عليه الصلاة والسلام""
(( أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى في سجوده ) ). فلو كان الله تعالى في جهة العلو لكان الإنسان في سجوده أبعد، فعلم من هذا أن الجهات كلها متساوية عند الله تعالى. قال علي رضي الله عنه في هذا المعنى: (( إن الله قريب في بعده بعيد في قربه، فوق كل شيء ولا يقال شيء تحته وتحت كل شيء ولا يقال شيء فوقه تعالى جنابه أن يوصف بالاستقرار على العرش أو التمكن أو المماستة، فهو مستغن عن الكون والمكان ) ). اهـ. وهذا مما يدل على ما ذكرناه.
ولما سئل الإمام أبي حنيفة وهو من التابعين عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .
قال: من حصر الله في الجهات الفوقية، أو التحتية فقد كفر، بل الاستواء معلوم، والإيمان به فرض والكيف مجهول )) . اهـ.