(رابعها) : إِنه لا يعرف في لغةٍ من لغات الأمم، وجه الشيء بمعنى ذاته ونفسه، وغاية ما شبه المعطل وجه الرب أن قال:"هو كقوله وجه الحائط، ووجه الثوب، ووجه النهار"ثم أخذ بالرد عليها فقال:"الجواب".
-ليس الوجه في ذلك المعنى الذات، بل هذا قوله: فإِن وجه الحائط أحد جانبيه، وهو مقابل لدبره، ومثل هذا وجه الكعبة ودبرها، فهو وجه حقيقة، ولكن بحسب المضاف إِليه، فلما كان المضاف إِليه بناءاً كان وجهه من جنسه، وكذلك وجه الثوب أحد جانبيه، وهو من جنسه، ووجه النهار أوله، ولا يقال لجميع النهار، لأن الوجه في اللغة مستقبل كل شيء، لأنه أول ما يواجه منه. ثم قال:"وأما تأويلهم بالثواب فجوابه، أن حمل الوجه على الثواب من أبطل الباطل، فإِن اللغة لا تتحمل ذلك ولا يعرف أن الجزاء يسمى وجهاً."
-إِن الثّواب مخلوق، فقد صح أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم استعاذ بوجه اللَّه فقال:"أعوذُ بوجهكَ الكريم أنْ يُضِلنّي ... الحديث".
ولا يُظن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يستعيذ بمخلوق.
-إِن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يدعو في دعائه:"أسألُكَ لذَّةَ النظرِ إِلى وجهكَ، والشوقِ إِلى لقائكَ".
ولم يكن يسأل لذة النظر إلى الثواب، ولا يعرف تسمية ذلك وجهاً لا لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً.
-إِن الوجه حيث ورد إِنما ورد مضافاً إلى الذات في جميع موارده، والمضاف إِلى الربّ نوعان [أعيانٌ قائمةٌ بنفسها] ، كبيت اللَّه، وناقة اللَّه، وروح اللَّه، وعبيد اللَّه، فهذه الإِضافات إِضافة تشريف، وتخصيص، وهي إِضافة مملوك إلى مالكه، الثاني صفاتٌ لا تقوم بنفسها، كعلم اللَّه وحياته وقدرته، فهذه إِذا وردت مضافة إليه فهي إضافة إلى الموصوف بها.
إذا عُرف ذلك، فوجه الكريم وسمعه وبصره إِذا أضيف إليه، وجب أن تكون إضافته إضافة وصْف لا إضافة خلق، وهذه الاضافة تنفي أن يكون الوجه