لقد ودعتُ أهلي عشية [20 من ربيع الثاني 1398 هـ. الموافق 29 من آذار 1978] وقد يسّر اللَّه لي صلاة الظهر جماعة في مسجد دار الحديث بدمشق وإِذا بالشيخ [م. ن. د] يصلي فيه. وبعد انتهاء الصلاة سبقت الشيخ إلى الباب. خرج الشيخ [م. ن. د] فقلت له: تقبّل اللَّه يا شيخُ، لكن الشيخ لم يتكلم بشيء، قلتُ في نفسي لعلّ كلمتي هذه له (تقبّل اللَّه) من البِدَع المذمومة عنده تيمية. لذا هل من بيان عقيدتكم في المسائل الثلاث؟ فقال الشيخ: بعد أن وصلنا إِلى أمام المكتبة الظاهرية."أما عقيدتي عن الفوقية، أو الاستواء، فهي كما قال عبد اللَّه بن المبارك: إِنّ اللَّه فوق عرشه بذاته، بائن عن خلقه، وهو معهم بعلمه".
(قلتُ) : يا شيخ إِن كلمة"فوق عرشه بذاته"أليس فيها شيء؟ قال: هذه عقيدتي.
وأما عن الوجه، فقد وردت النصوص التي تُثبتُ أن لله وجهاً. وصرف الوجه إِلى الذات. تحريف وتعطيل. وهو شأن المؤولين المبطلين، وأمّا عن الكلام بحرف وصوت فمثل ما قال لك: الشيخ (م. ن. ت) بحلب فصحيح. ودليلنا قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"مَنَ قرأ حرفاً مِنْ كتاب اللَّه تعالى، فلهُ به حسنةْ، والحسنةْ بعشر أمثالِها، لا أقول (ألم) حرفٌ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"أهـ.
ثم ودّعتُه وانصرفت حامداً اللَّه تعالى على توفيقه إِيّاي، ومعونته لي على ما قمتُ به من جهد ضئيل في سبيل مرضاته ابتغاءً لوجهه، وإِحقاقاً للحق ودمغاً للباطل. فمن شاء فليؤمن بعقيدة أهل السنة والجماعة، ومن شاء فليكفر: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
هذا: وقد أخذتُ إِذن الشيخ [م. ن. د] بإِثبات كلامه هذا في كتابي [هذه عقيدة السلف والخلف في ذات اللَّه تعالى، وصفاته، وأفعاله ... ] فوافق على ذلك بعد أن أعطيته [عهد اللَّه] ألاّ أزيد عليه، ولا أنقص منه شيئاً، وأنا مسؤول عنه من حيث نسبته إِليه، أمام اللَّه تعالى، وأمامه، هذا: وقد اقتضى واقع الحال عدم التصريح بأسماء الأحياء. حفاظاً على وحدة المسلمين والجماعة، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول:"ما بالُ أقوام يقولون كذا وكذا". إِلا ما دعت الضرورة إِليه كما في صلاة التراويح وغيرها.
وبذا نكون قد أصبحنا (أيها القارئ الكريم) مهيّئين للدخول في بحث مسائل القسم الأول لتعلم من هو الموافق بعقيدته لأهل السنة والجماعة، (عقيدة السلف الأبرار) ومن هو المخالف لها، وهذه هي الفائدة من تأليف هذا الكتاب. الذي لم يسبقني (على ما أعتقد) إِلى مثله سابق، وقد لا يأتي بمثله لاحق، وذلك تحدثاً بنعم اللَّه علي وهو الموفق للصواب.