المطلب الأول: الشروط المعتبرة التي لابد من توافرها [1]
الأول: التكليف [2] :
وهذا الشرط يخرج غير المكلف كالمجنون والصبي .. والمكلف في اصطلاح الفقهاء: هو البالغ العاقل.
وهذا الشرط يعد من شروط الوجوب، لكن لا يعني هذا الاشتراط للتكليف أن غير البالغ لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر بل يكون ذلك مندوباً في حقه.
كما هو الحال في الصلاة والصوم والحج ونحوها مما هو معلوم [3] .
الثاني: الإسلام [4] :
الحسبة فيها نوع ولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم؛ ثم إن الكافر لو قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه لا يقبل منه مع انتفاء شرط الإسلام، بقطع النظر عن كونه مخاطباً بفروع الشريعة أم لا.
ولأن الحسبة نصرة للدين ورفع له فلا يرجى أن يكون ناصره من هو جاحد لأصله [5] . لكن لو قام الكافر بالإنكار للمنكر .. فهل يبقى على المسلم إنكار له؟!
والجواب عن هذا أن يقال: إن زال المنكر فليس على المسلم إنكار بعده، لأنه لا وجود للمنكر .. لكن إن كان المسلم عالماً بالمنكر قبل إنكار الكافر له كان إنكاره متعيناً على المسلم فيلام على الترك.
أما في حال بقاء المنكر بعد إنكار الكافر له فلا شك أن هذا لا يعفى المسلم من إنكاره أبداً.
الثالث: الإخلاص وإحضار النية [6] :
لابد للمحتسب من أن يطلب بعمله وجه الله تعالى ورضاه .. دون أن يقصد بعمله وحسبته رياء ولا سمعة .. ولا منزلة في قلوب الخلق أو شيئا من دنياهم.
وهذا الأمر -أعني الإخلاص- شرط في قبول سائر الأعمال الصالحة كما تقدم قال الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] .
ويتأكد الإخلاص في حال كون العمل بارزاً ظاهراً يراه الناس ويشاهدونه. وننبه في هذا الموضع إلى مدخل شيطاني يوسوس به إبليس في نفوس بعض الغيورين فيشككهم في إخلاصهم وبالتالي يقعدهم عن القيام بمثل هذا العمل العظيم .. أو يقعدهم عنه ابتداء تحاشياً للشهرة أو الانزلاق بالعجب أو الرياء والسمعة .. كما نسمع من بعض القاعدين عنه!! فلا ينبغي الالتفات إلى شيء من هذه الوساوس ولا الركون إلى تلك الهواجس .. !! وسيأتي المزيد من بيان هذا عند الكلام على أحوال الناس بالنسبة إلى القيام به وعدمه.
وقد يكون للرجل جهاد وعمل ضخم في مجالات الدعوة والإصلاح والتوجيه وليس له عند الله تعالى نصيب، لأنه إنما دعا إلى تجميع الناس حول نفسه .. فدعوته وجهاده لرفع تلك النفس.
الرابع: المتابعة:
إن الغرض من الاحتساب هو إيجاد المعروف وإزالة المنكر والمعروف هو ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- .. فعلى المحتسب أن يجعل هذا نصب عينيه، وعليه أن يعلم جيداً أن المتابعة شرط في قبول عمله لقوله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف: 110] والعمل الصالح هو العمل الصائب الموافق لهديه -صلوات الله وسلامه عليه-.
(1) انظر: (( الإحياء ) ) (ص: 308) فما بعدها، (( تنبيه الغافلين ) )لابن النحاس (ص: 18 - 19) (( مفتاح السعادة ) ) (3/ 306) ، (( التشريع الجنائي ) ) (1/ 496) .
(2) (( معالم القربة ) ) (ص: 7 - 8) .
(3) انظر: (( غذاء الألباب ) ) (1/ 215 - 129) (( مفتاح السعادة ) ) (3/ 306) (( أصول الدعوة ) ) (ص: 171) .
(4) انظر: (( الإحياء ) ) (2/ 308) فما بعدها، (( تنبيه الغافلين ) ) (ص: 18) ، (( التشريع ) ) (1/ 496 - 497) ، (( مفتاح السعادة ) ) (3/ 306) .
(5) انظر: (( غذاء الألباب ) ) (1/ 215 - 219) ، (( أصول الدعوة ) ) (ص: 171) .
(6) انظر: (( النووي على مسلم ) ) (1/ 2/24) ، (( تنبيه الغافلين ) ) (ص: 18 - 19، 62 - 66) ، (( معالم القربة ) ) (ص: 12) .