صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيَّاً [مريم: 12 - 13]
الدليل من السنة:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: (( يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أنَّ لا إله إلا الله مخلصاً، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنَّن الله برحمته على مَن فيها، فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها ) ) [1] .
قال ابن جرير: قوله: وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا: يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيّاً، وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان، فقال بعضهم: معناه: الرحمة اهـ، ثم نسب ذلك بإسناده إلى ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة، ثم قال: وقال آخرون: معنى ذلك: وتعطُّفاً من عندنا عليه فعلنا ذلك، ونسب ذلك بإسناده إلى مجاهد، ثم قال: وقال آخرون: بل معنى الحنان: المحبة، ووجهوا معنى الكلام إلى: ومحبة من عندنا فعلنا ذلك، ثم نسب ذلك بإسناده إلى عكرمة وابن زيد، ثم قال: وقال آخرون: معناه تعظيماً منَّا له، ونسب ذلك بإسناده إلى عطاء بن أبي رباح ثم قال: وأصل ذلك - أعني: الحنان- من قول القائل: حنَّ فلان إلى كذا، وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال: تحنَّن فلان على فلان: إذا وصف بالتعطُّف عليه والرقة به والرحمة له؛ كما قال الشاعر:
تَحَنَّنْ عليَّ هَداك المليكُ ... فإنَّ لِكُلِّ مَقامٍ مَقالاً
بمعنى: تعطَّف عليَّ؛ فالحنان: مصدر من قول القائل: حنَّ فلانٌ على فلانٍ، يقال منه: حننتُ عليه؛ فأنا أحِنُّ عليه، وحناناً اهـ [2] .
وقال الفراء: وقوله: وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا الحنان: الرحمة، ونصب حناناً؛ أي: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه اهـ [3] .
وبنحوه قال ابن قتيبة، ونسب البيت السابق للحطيئة يخاطب فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه [4] .
وروى أبو عبيد القاسم بن سلاَّم عن أبي معاوية (الضرير) عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان يقول في تلبيته: لبيك ربنا وحنانيك [5] وهذا إسناد صحيح، وعروة بن الزبير تابعي ثقة، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة قال أبو عبيد: قوله: حنانيك؛ يريد: رحمتك، والعرب تقول: حنانك يا رب، وحنانيك يا رب؛ بمعنى واحد اهـ [6] .
(1) رواه ابن المبارك في (( الزهد ) ) (ص448) ، وابن أبي شيبة (7/ 58) ، وأحمد (3/ 11) (11096) ، وابن ماجه - عن ابن أبي شيبة- مختصراً (4280) ، والطبري في تفسيره (18/ 235) ، والخلال - عن أحمد - في (( السنة ) ) (5/ 51) ، وابن خزيمة في (( التوحيد ) ) (2/ 766) بإثبات لفظة (يتجلى) في المطبوع بدلا من (يتحنن) التي في النسخة الألمانية، والحاكم (4/ 628) . وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. وقال البوصيري في (( إتحاف الخيرة ) ) (8/ 62) : رواه أحمد بن منيع، ورواته ثقات، وأبوبكر بن أبي شيبة مختصرًا وعنه ابن ماجه. وقال السفارييني في (( لوائح الأنوار ) ) (2/ 238) : وأخرج الحاكم بسندٍ صحيح - ثم ذكر الحديث -. وقال الألباني في (( صحيح سنن ابن ماجه ) ): صحيح. وقال الوادعي في (( الشفاعة ) ) (ص159) : والحديث بهذا السند - أي سند أحمد - حسن. والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
(2) (( تفسير الطبري ) ) (16/ 55) .
(3) (( معاني القرآن ) ) (2/ 163) .
(4) (( تفسير غريب القرآن ) ) (ص273) .
(5) (( غريب الحديث ) ) (2/ 405) .
(6) (( غريب الحديث ) ) (2/ 405) .