فهرس الكتاب
الصفحة 3746 من 4009

المطلب الثاني: حقيقة الإنكار بالقلب [1]

يغلط البعض فيظن أنه ما دام كارهاً للمنكر فلا بأس عليه بمخالطة فاعله والجلوس معه حال مواقعته المنكر .. أو البقاء في مكان فيه منكر في الشرع وهذا مخالف لما دل عليه القرآن والسنة. قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ [النساء: 140] وهذا نهي صريح عن مجالستهم حال مواقعتهم لهذا المنكر .. فما دام لا يقدر على الإنكار باليد أو اللسان فلا بد إذاً من مفارقته للمنكر .. هذا هو الصحيح [2] .

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- عند هذه الآية: (وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي: غير الكفر بآيات الله ولا الاستهزاء بها.

إِنَّكُمْ إِذًا أي إن قعدتم معهم في الحال المذكور (مثلهم) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلساً يعصى الله به فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها) [3] . ا. هـ.

وقال القرطبي -رحمه الله- عند هذه الآية: ( .. فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية .. وإذا ثبت تجنب أهل المعاصي فتجنب أهل البدع والأهواء أولى .. ) [4] ا. هـ.

وقال البخاري -رحمه الله-: (باب: هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة؟) .

ثم قال: ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع [5] .

(1) (( الآداب الشرعية ) ) (1/ 308) ، (( تنبيه الغافلين ) ) (ص: 106 - 109) ، (( التشريع الجنائي ) ) (1/ 497) .

(2) (( مجموع الفتاوى ) ) (28/ 204، 221، 222، 239) .

(3) (( تفسير السعدي ) ) (2/ 93 - 94) .

(4) (( القرطبي ) ) (5/ 418) ، وانظر (( القاسمي ) ) (5/ 524 - 527) ، (( الظلال ) ) (5/ 261 - 262) ، (( الحلال والحرام ) ) (ص: 73) .

(5) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث رقم (5181) . قال ابن حجر في (( فتح الباري ) ) (9/ 249) : كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي وعبدوس، وفي رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأنني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وأخرجه البيهقي - (7/ 268) (14959) - من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود: (أن رجلا صنع طعاماً فدعاه فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم؛ فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة) . وسنده صحيح. وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضاً لكن لم أقف عليه. اهـ. وانظر: (( تغليق التعليق ) ) (4/ 423 - 424) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام