فهرس الكتاب
الصفحة 3544 من 4009

المطلب الثالث: الإجماع

ومن أهم الأدلة الدالة على وجوب الإمامة الإجماع على ذلك من قبل الأمة، وأول ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على تعيين خليفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، بل حتى قبل دفنه وتجهيزه [1] .

وقد ورد في ذلك عدة روايات منها ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات، وأبو بكر بالسنح [2] قال إسماعيل - يعني بالعالية - فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبَّله فقال: بأبي أنت وأمي طبت حيًّا وميّتًا، والذي نفسي بيده، لا يذيقنك الله الموتتين أبدًا، ثم خرج فقال: أيُّها الحالف على رسلك. فلمَّا تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدًا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حيُّ لا يموت وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر: 30] ، وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144] قال: فشنج الناس يبكون، قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حُباب بن المنذر: والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا وأعربهم أنسابًا، فبايعوا عمر وأبا عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس) [3] . وبهذا يتبين أنه قد ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بمجرد أن بلغهم نبأ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بادروا إلى عقد اجتماع السقيفة الذي ضم كبار المهاجرين والأنصار، وتركوا أهم الأمور لديهم ذلك الوقت وهو تجهيز الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتشييعه، ويقول الهيتمي: (اعلم أيضًا أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [4] .

وقد نقل هذا الإجماع طائفة من العلماء، منهم الماوردي حيث قال:

(وعقدها - أي الإمامة - لمن يقوم بها واجب بالإجماع، وإن شّذ عنهم الأصم) [5] . ويقول النووي: (وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة .. ) [6] ويقول ابن خلدون: (نصب الإمام واجب، وقد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعًا دالاً على وجوب نصب الإمام) اهـ [7] ...

(1) [12922] )) كانت وفاته عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين بعد أن زاغت الشمس لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وكان دفنه - كما يقول ابن هشام - من وسط الليل ليلة الأربعاء. انظر: (( سيرة ابن هشام ) ) (4/ 664) ، وانظر: (( سبل السلام ) ) (2/ 111) .

(2) [12923] )) السنح: قيل بتسكين النون وقيل بضمها: منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي بينه وبين المسجد النبوي ميل. (( فتح الباري ) ) (7/ 29) .

(3) [12924] )) رواه البخاري (3667، 3668) .

(4) [12925] )) (( الصواعق المحرقة ) ) (ص: 7) .

(5) [12926] )) (( الأحكام السلطانية ) )للماوردي (ص: 5) .

(6) [12927] )) (( شرح صحيح مسلم ) )للنووي (12/ 205) .

(7) [12928] )) (( مقدمة ابن خلدون ) ) (ص: 191) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام