إذا طلعت الشمس من مغربها فإنه لا يقبل الإيمان ممن لم يكن قبل ذلك مؤمناً، كما لا تقبل توبة العاصي، وذلك لأن طلوع الشمس من مغربها آية عظيمة يراها كل من كان في ذلك الزمان، فتنكشف لهم الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته، وحكمهم في ذلك حكم من عاين بأس الله تعالى كما قال عز وجل: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر: 84 - 85] .
قال القرطبي: (قال العلماء: وإنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة، في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت) [1] .
وقال ابن كثير: (إذا أنشأ الكافر إيماناً يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمناً قبل ذلك فإن كان مصلحاً في عمله فهو بخير عظيم، وإن كان مخلطاً فأحدث توبة حينئذٍ لم تقبل منه توبة) [2] .
وهذا هو الذي جاء به القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة فإن الله تعالى: قال: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام: 158] .
وقال صلى الله عليه وسلم: (( لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة, ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب, فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه, وكفى الناس العمل ) ) [3] .
وقال عليه الصلاة والسلام: (( إن الله عز وجل جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله، وذلك قول الله تبارك وتعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ) )الآية )) [4] .
ويرى بعض العلماء أن الذين لا يقبل إيمانهم هم الكفار الذين عاينوا طلوع الشمس من مغربها، أما إذا امتد الزمان ونسي الناس ذلك فإنه يقبل إيمان الكفار وتوبة العصاة [5] .
(1) (( التذكرة ) ) (ص: 706) ، و (( تفسير القرطبي ) ) (7/ 146) .
(2) (( تفسير ابن كثير ) ) (3/ 371) .
(3) رواه أحمد (1/ 192) (1671) ، والطبراني (19/ 381) (895) . من حديث ابن السعدي رضي الله عنه. قال ابن كثير في (( تفسير القرآن ) ) (3/ 371) : إسناده حسن، وقال الهيثمي (5/ 253) : رجال أحمد ثقات، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (3/ 133) .
(4) رواه الترمذي (3536) ، والمنذري في (( الترغيب والترهيب ) ) (4/ 118) . من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده المنذري، وقال ابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (2/ 450) حسن، كما قال ذلك في المقدمة.
(5) (( التذكرة للقرطبي ) ) (ص: 706) و (( تفسير الألوسي ) ) (8/ 63) .