العدالة صفة كامنة في النفس توجب على الإنسان اجتناب الكبائر والصغائر والتعفف عن بعض المباحات الخارمة للمروءة، وهي مجموعة صفات أخلاقية من التقوى والورع والصدق والأمانة والعدل ورعاية الآداب الاجتماعية ومراعاة كل ما أوجبت الشريعة الالتزام به.
وبناء على هذا الشرط فلا يجوز تولية الفاسق ولا من فيه نقص يمنع الشهادة. قال القاضي عياض: (ولا تنعقد لفاسق ابتداء) [1] وذكر مثله الحافظ في الفتح [2] وقال القرطبي: (ولا خلاف بين الأمة في أنه لا يجوز أن تعقد الخلافة لفاسق) [3] .
ومن الأدلة على اشتراط هذا الشرط ما يلي:
1 -ما ورد في قصة إبراهيم عليه السلام حينما قال له ربه: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] عن مجاهد: (أنه أراد أن الظالم لا يكون إمامًا ... ) [4] ، وقال الفخر الرازي:(احتج الجمهور على أن الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ووجه الاستدلال بها على وجهين:
الأول: ما بيَّنَّا أن قوله لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ جواب لقوله: وَمِن ذُرِّيَّتِي طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالى، فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ليكون الجواب مطابقًا للسؤال فتصير الآية كأنه تعالى قال: لا ينال الإمامة الظالمون، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه، فكانت الآية دالة على ما قلناه) [5] . وبنحوه ذهب الشوكاني فقال: (وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالمًا، ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد وما تفيده الإضافة من العموم فيشمل جميع ذلك اعتبارًا بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا السياق ... ) إلى أن قال: (فالأولى أن يقال: إن هذا الخبر في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف، وقد علمنا أنه قد عهده من الإمامة وغيرها كثير من الظالمين) [6] . قال الفقيه الحنفي أبو بكر الجصاص: (فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق وأنه لا يكون خليفة) [7] وقال الزمخشري عند تفسير هذه الآية: (وقالوا: في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم للصلاة) . قال: (وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إمامًا قط، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة، والإمام إنما هو لكفِّ الظلمة، فإذا نصب من كان ظالمًا في نفسه فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم) [8] .
(1) [12989] )) (( إكمال المعلم ) ) (6/ 128) .
(2) [12990] )) (( فتح الباري ) ) (13/ 8) .
(3) [12991] )) (( تفسير القرطبي ) ) (1/ 270) ، وانظر: (( السياسة الشرعية ) )لابن تيمية (ص: 21) .
(4) [12992] )) (( أحكام القرآن ) )للجصاص (1/ 69) .
(5) [12993] )) (( التفسير الكبير ) )للفخر الرازي (4/ 46) .
(6) [12994] )) (( فتح القدير ) )للشوكاني (1/ 138) .
(7) [12995] )) (( أحكام القرآن ) )للجصاص (1/ 70) .
(8) [12996] )) (( الكشاف ) ) (1/ 309) .