قسم الله عباده في الحساب قسمين:
الأول: من يكون حسابه يسيراً وهم أهل اليمين، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: 7 - 8] .
الثاني: من يلقى سوء الحساب وهم أهل جهنم، قال تعالى: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [الرعد: 18] . وفي نصوص السنة دلالة على أن المؤمنين في الحساب ثلاثة أصناف:
فصنف لا يحاسب، وهؤلاء طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم, وعدتهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب، ففي الحديث: (( عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سواداً سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل: انظر، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ) ) [1] .
وفي رواية: (( هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب ) ) [2] .
فهذه زيادة فضيلة لهؤلاء أنهم يتقدمون الأمة، وجاء في وصفهم أنهم يدخلون الجنة: (( متماسكين آخذ بعضهم ببعض، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ) ) [3] .
وفي حديث آخر أنهم يدخلون زمرة واحدة [4] .
وفي رواية في الصحيحين: (( سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف ) )شك من الراوي [5] .
ووقع في أحاديث أخرى في غير الصحيحين أن مع السبعين ألفاً زيادة عليهم [6] .
والصنف الثاني: لا يناقشون الحساب، وإنما تعرض أعمالهم ثم يتجاوز لهم عنها، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من نوقش الحساب عذب ) )فقالت عائشة: (( أو ليس يقول الله تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا - فقال: إنما ذلك العرض, ولكن من نوقش الحساب يهلك ) ) [7] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيراً, فلما انصرف قلت: يا نبي الله ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه -(وفي رواية قال: الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها) - أن من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك )) [8] .
(1) رواه البخاري (5752) ، ومسلم (220) . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) رواه البخاري (6541) ، ومسلم (216) . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) رواه البخاري (6554) ، ومسلم (219) . من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم (217) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (6543) ، ومسلم (219) . من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(6) (( فتح الباري ) ) (11/ 410) .
(7) رواه البخاري (103) . من حديث عائشة رضي الله عنها.
(8) رواه أحمد (6/ 48) (24261) ، والحاكم (1/ 125) . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في (( تخريج مشكاة المصابيح ) ) (5/ 175) : أصله في الصحيح، وجود إسناده الألباني في (( أصل صفة الصلاة ) ) (3/ 1007) .