فهرس الكتاب
الصفحة 3712 من 4009

المطلب الأول: العمل على إيجاد البديل عن المنكر [1]

إن الباطل يشغل حيزاً كبيراً في نفوس أصحابه .. لاسيما إذا صاحب ذلك إلف المنكر واعتياده .. فإنه من الصعوبة بمكان على صاحبه أن يفارقه ويتخلص منه .. بل إنه يشعر في بعض الأحيان أنه قد أصبح يمثل جزءاً من كيانه لا يتصور الاستغناء عنه بحال من الأحوال .. وهذا مشاهد وملموس في واقع الكثير من الناس.

إذا عرفت هذا تبين لك جلياً مدى حاجة الناس إلى إيجاد بدائل تحل محل تلك المنكرات.

وأنت إذا تأملت سير التشريع الرباني رأيت أنه لم يهمل هذا الجانب بل اهتم به. فحينما حرم الله عز وجل أعياد الجاهلية .. أبدل المسلمين عنها بعيدين عظيمين كريمين. كما أباح لهم أضرباً من اللهو المباح فيهما.

ومن هذا الباب في القرآن قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا ... [البقرة: 104] ومما يدخل تحته أيضاً قول الله تبارك وتعالى مخبراً عن قول لوط -عليه الصلاة والسلام- لقومه: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء: 165 - 166] .

ومن السنة ما أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً ) ) [2] .

وقد أدرك أهل العلم أهمية هذا الجانب فظهر في بعض مقالاتهم وفتاواهم .. ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه أن رجلاً سأل ابن عباس فقال: يا ابن عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: (من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً، فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه. فقال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح) [3] .

وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز -رحمهما الله- لأبيه:(يا أبت ما يمنعك أن تمضي لما تريده من العدل؟ فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك.

قال: يا بني! إني إنما أروض الناس رياضة الصعب، إني أريد أن أحيي الأمر من العدل فأؤخر ذلك حتى أخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه) [4] .

وقال -رحمه الله- أيضاً: (ما طاوعني الناس على ما أردت من الحق حتى بسطت لهم من الدنيا شيئاً) [5] .

وقال ابن كثير -رحمه الله- في حوادث سنة اثنتين وثلاثين وستمائة: (فيها خرب الملك الأشرف بن العادل خان الزنجاري الذي كان بالعقبية فيه خواطئ وخمور ومنكرات متعددة، فهدمه وأمر بعمارة جامع مكانه سمي جامع التوبة) [6] ا. هـ.

(1) (( إعلام الموقعين ) ) (2/ 146 - 148) ، (( إغاثة اللهفان ) ) (2/ 69 - 71) ، (( زاد المعاد ) ) (4/ 134 - 135) ، (( أصول الدعوة ) ) (ص: 446) .

(2) رواه البخاري (2201) ، ومسلم (1593) .

(3) رواه البخاري (2225) .

(4) (( الزهد ) )لأحمد (ص: 364) ، (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) )للخلال رقم (40) (( سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ) ) (ص: 88) .

(5) (( سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز ) )لابن الجوزي (ص: 88) .

(6) (( البداية والنهاية ) ) (13/ 143) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام