المبحث الأول: فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
هناك حكم عظيمة تتحقق عند القيام بهذا الجانب العظيم من الدين .. وإذا تأملت هذه الحكم تجدها إما راجعة ومتعلقة بالآمر الناهي، وإما عائدة إلى المأمور المنهي، وإما عامة للجميع ..
ويمكننا تلخيص هذه الجوانب الثلاثة فيما يلي:
(1) الفوائد والمصالح العائدة للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
أ- خروجه من عهدة التكليف [1] ، ولذا قال الذين حذروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل لما قيل لهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164] قالوا: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ فالساكت عن الحق مؤاخذ ومتوعد بالعقوبة، كما أنه شيطان أخرس.
قال علي بن الحسين: (التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي منهم تقاه. قالوا وما تقاه؟ قال: يخاف جباراً عنيداً أن يسطو عليه وأن يطغى) [2] .
ب- إقامة حجة الله على خلقه [3] . قال الله تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 16] .
ج- الشهادة على الخلق .. قال الإمام مالك -رحمه الله-: (وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله، فإن عصوا كانوا شهوداً على من عصاه) [4] أ. هـ.
د- أداء بعض حق الله تعالى عليه من شكر النعم التي أسداها له من صحة البدن وسلامة الأعضاء .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة .. ) ) [5] .
هـ- تحصيل الثواب، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، سواء كانت الأدلة خاصة كالحديث السابق أم كانت عامة كقوله: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة: 7] ومثل ذا كثير في الأصلين.
وتكفير السيئات .. قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114] . وقال -صلى الله عليه وسلم-: (( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) ) [6] . وجاء في حديث حذيفة لما سأله عمر -رضي الله عنه عن الفتنة: (( فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف ) )قال سليمان: قد كان يقول: (( الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ) ) [7] .
ز- النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي الذي توعد الله به من قعد عن هذا الواجب وأهمله.
(1) انظر: (( أضواء البيان ) ) (1/ 176) .
(2) (( البداية والنهاية ) ) (9/ 115) .
(3) (( أضواء البيان للشنقيطي ) ) (1/ 176) .
(4) (( الجامع ) )لابن أبي زيد القيرواني (ص: 156) .
(5) رواه مسلم (720) . من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(6) رواه الترمذي (1987) ، وأحمد (5/ 153) (21392) ، والدارمي (2/ 415) (2791) ، والحاكم (1/ 121) ، والبيهقي في (( شعب الإيمان ) ) (6/ 245) (8026) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن العربي في (( عارضة الأحوذي ) ) (4/ 349) : صحيح، وحسنه ابن حجر في (( الأمالي المطلقة ) ) (131) ، وقال السفاريني الحنبلي في (( شرح كتاب الشهاب ) ) (411) : إسناده صحيح.
(7) رواه البخاري (1435) .