هل بعث إلى الجن رسل منهم، أم أن الرسل المبعوثين إليهم من الإنس فقط؟.
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: أن رسل الجن هم من البشر، ولم يبعث إلى الجن رسول منهم، وهو رأي الجمهور من العلماء [1] .
الثاني: أنه ليس في الجن رسل ولكن منهم نذر عن الرسل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج وأبو عبيد [2] .
الثالث: أنه قد بعث إلى الجن رسل منهم، وهو رأي مقاتل والضحاك [3] وابن حزم الأندلسي [4] .
والذي ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الجمهور والضحاك ومن معه متفقون على أن محمداً صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجن والإنس معاً، وإنما الاختلاف بينهم في أنه هل بعث إلى الجن رسل من جنسهم قبل مبعث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أم لا؟
فالضحاك ومن معه يقولون: بأنه قد بعث إلى الجن رسل منهم قبل نبينا عليه السلام، والجمهور على خلافه، قال السبكي: (ومن نقل عن الضحاك مطلقاً أن رسل الجن منهم فهو محمول على هذا التقييد -أي قبل نبينا عليه السلام- ولم ينقل أحد عنه أن ذلك في هذه المسألة، وإن توهم أحد ذلك عليه فقد أخطأ، ويجب عليه النزوع وعدم اعتقاده، وأن لا ينسب إلى رجل عالم ما يخالف الإجماع، فيكون قد جنى عليه جناية يطالبه بها بين يدي الله تعالى) [5] وقال: (ولم يقل الضحاك ولا أحد غيره باستمرار ذلك في هذه الملة، وإنما محل الخلاف في ذلك في الملل المتقدمة خاصة، وأما في هذه الملة فمحمد صلى الله عليه وسلم هو المرسل إليهم وإلى غيرهم، والاستدلال بالإجماع في ذلك صحيح) [6] .
وإليك تفصيل هذه الأقوال مع ذكر أدلتها:
القول الأول: وهو قول الجمهور بأن رسل الجن هم من البشر وليسوا من الجن.
قال السبكي: (كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الإنس والجن كافة، وأن رسالته شاملة للثقلين، فلا أعلم فيه خلافاً، ونقل جماعة الإجماع عليه) [7] . وقال ابن نجيم:
(1) (( فتاوى السبكي ) ) (2/ 618) ، (( الأشباه والنظائر ) ) (2/ 330) ، (( التفسير الكبير ) ) (13/ 195) ، (( الفتاوى الحديثية ) ) (69) .
(2) (( تفسير الطبري ) ) (26/ 31) ، (( تفسير القرطبي ) ) (7/ 86) ، (( طريق الهجرتين وباب السعادتين ) ) (1/ 416) ، (( فتاوى السبكي ) ) (2/ 618) .
(3) (( تفسير القرطبي ) ) (7/ 86) ، (( تفسير روح المعاني ) ) (8/ 28) ، (( التفسير الكبير ) ) (13/ 195) .
(4) (( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) ) (3/ 264) .
(5) (( فتاوى السبكي ) ) (2/ 619) .
(6) (( فتاوى السبكي ) ) (2/ 609) .
(7) (( فتاوى السبكي ) ) (2/ 594) .