فهرس الكتاب
الصفحة 1204 من 4009

لقد دل القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم، لما ينشأ عن مشابهتهم والاقتداء بهم من الأضرار الكثيرة.

فمن الأدلة على ذلك في القرآن الكريم قول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة: 120] .

وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة.

منها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من تشبه بقوم فهو منهم ) ) [1] .

وما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله, اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ) ) [2] .

قال ابن تيمية رحمه الله: وهذا خرج منه مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات [3] .

كما جاءت السنة بالنهي عن مشابهة الكفار في أمور مخصوصة كثيرة، في العبادات والعادات، كنهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وأن في ذلك مشابهة لأهل الكتاب.

وقد تقدم لنا إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من طلب اتخاذ شجرة لتعليق الأسلحة، وللعكوف عندها من أجل التبرك، اقتداء بفعل مشركي الجاهلية.

هذا ومن صور التبرك الحاصلة بسبب التشبه بالكفار مما ابتلي به بعض المسلمين ما يأتي:

1 -الغلو في الأنبياء والصالحين.

فإن النصارى قد عظموا أنبياءهم وأتباعهم حتى عبدوهم، فقلدهم بعض المسلمين وتأثروا بهم، حيث غلوا في محبة وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين، كما تقدم قريباً.

وقد أضل النصارى كثيراً من جهال المسلمين، حتى صاروا يزورون كنائسهم، ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهابينهم ونحوهم [4] .

2 -إحداث الاحتفال بالموالد والأعياد.

ومن أمثلة ذلك الاحتفال بزمان المولد النبوي، وموالد الأولياء، ونحو ذلك من المناسبات تعظيماً وتبركاً.

ولا يخفى أن أهم دواعي إحداث هذه الأعياد والاحتفالات البدعية في بلاد المسلمين هو التشبه بأهل الكتاب، ولاسيما النصارى منهم، حيث إنهم يقيمون أعياداً عديدة في مواسم وأحوال عيسى عليه السلام.

3 -بناء المساجد وغيرها على القبور، والتبرك بها.

فإن منشأ ما ابتلي به الكثير في بلاد المسلمين من بناء المساجد على القبور، أو اتخاذ القبور مساجد بلا بناء، أو تعظيم القبور والمشاهد، إن منشأ ذلك هو التقليد الأعمى لمن كان قبلنا من الضالين، بل والمغضوب عليهم [5] .

(1) رواه أبو داود (4031) ، وأحمد (2/ 50) (5114) . من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الذهبي في (( سير أعلام النبلاء ) ) (15/ 509) ، والعراقي في (( المغني ) ) (1/ 359) : إسناده صحيح. وقال ابن حجر في (( فتح الباري ) ) (10/ 282) : ثابت [و] إسناده حسن. وقال الألباني في (( صحيح سنن أبي داود ) ): حسن صحيح.

(2) رواه البخاري (7319) , ومسلم (2669) .

(3) (( اقتضاء الصراط المستقيم ) ) (1/ 147) .

(4) (( مجموع فتاوى ابن تيمية ) ) (27/ 460، 461) بتصرف.

(5) (( مجموع فتاوى ابن تيمية ) ) (27/ 460) ، (( اقتضاء الصراط المستقيم ) ) (1/ 77، 295) ، بحث الوادعي (( حول القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ) ) (ص: 286) بتصرف.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام