المطلب الأول: قولهم في الإيمان
أما أبو منصور الماتريدي - شيخ الطائفة - فقد ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق، وأن قول اللسان شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ولا يستثنى فيه.
قال الماتريدي: (ثم قد ثبت بأدلة القرآن وما عليه أهل الإيمان، والذي جرى به من اللسان أن الإيمان هو التصديق) [1] .
وقال: (الأصل عندنا قطع القول بالإيمان وبالتسمي به بالإطلاق، وترك الاستثناء فيه؛ لأن كل معنى مما باجتماع وجوده تمام الإيمان عنده، مما إذا استثني فيه لم يصح ذلك المعنى) [2] .
وقال شيخ الإسلام: (وقد ذهب طائفة من متأخري أصحاب أبي حنيفة كأبي منصور الماتريدي وأمثاله إلى نظير هذا القول في الأصل، وقالوا: إن الإيمان هو ما في القلب، وأن القول الظاهر شرط لثبوت أحكام الدنيا) [3] .
وقال ملا علي القاري: (وذهب جمهور المحققين إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وإنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا ... وهذا هو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي) [4] .
وقد سار الماتريدية على ما أصَّله شيخهم إلا أن منهم من جعل قول اللسان ركنا في الإيمان، ومنهم من أثبت الزيادة والنقصان، بل نُسب ذلك إلى جمهورهم- وليس كذلك- كما اشترطوا اشتمال التصديق على الإذعان والقبول، ومنهم من جوز الاستثناء.
قال التفتازاني: وليس حقيقة التصديق أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى الخبر أو المخبر من غير إذعان وقبول، بل هو إذعان وقبول لذلك بحيث يقع عليه اسم التسليم [5] .
وقال النسفي: والإيمان هو التصديق بما جاء به من عند الله تعالى والإقرار به) قال شارحه: (وهذا الذي ذكره من أن الإيمان هو التصديق والإقرار مذهب بعض العلماء، وهو اختيار الإمام شمس الأئمة وفخر الإسلام رحمهما الله) [6] .
فالنسفي- وهو ماتريدي- اختار هنا قول مرجئة الفقهاء، وجعل الإقرار جزءا من الإيمان.
وأما عمل الجوارح، فقد أخرجوه من الإيمان، ومنهم من صرح بأنه من كمال الإيمان.
قال الملا علي القاري: (وأما العمل بالأركان فهو من كمال الإيمان، وجمال الإحسان) [7] .
قولهم في الزيادة والنقصان:
نسب الصاوي في (شرح الجوهرة) إلى جمهور الماتريدية، القولَ بزيادة الإيمان ونقصانه [8] .
والذي يظهر أن جمهورهم على خلاف ذلك، قال في العقائد النسفية: (والإيمان لا يزيد ولا ينقص) [9] .
وقال أبو المعين النسفي: (وإذا ثبت أن الإيمان هو التصديق، وهو لا يتزايد في نفسه، دل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فلا زيادة له بانضمام الطاعات إليه، ولا نقصان له بارتكاب المعاصي؛ إذ التصديق في الحالين على ما كان قبلهما) [10] .
قولهم في الاستثناء:
ذهب بعض الماتريدية إلى جواز الاستثناء، لكن جعلوه خلاف الأولى، وخالفوا الأشعرية فيما ذهبوا إليه من القول بالموافاة.
(1) (( التوحيد ) )للماتريدي (ص332) . وانظر: (( المسامرة على المسايرة ) ) (ص274) .
(2) (( التوحيد ) ) (ص388) .
(3) (( مجموع الفتاوى ) ) (7/ 510) .
(4) (( شرح الفقه الأكبر ) ) (ص125) وما بعدها. ومثله في (( شرح العقائد النسفية ) )للتفتازاني (ص79) .
(5) (( شرح العقائد النسفية ) ) (ص78) .
(6) (( شرح العقائد النسفية ) ) (ص78) وما بعدها.
(7) (( شرح الفقه الأكبر ) ) (ص103) وانظر: (ص: 130) .
(8) (( شرح جوهرة التوحيد ) ) (ص134) وقد سبق نقل كلامه.
(9) (( العقائد النسفية ) )لأبي حفص النسفي، مع شرحها للتفتازاني (ص80) .
(10) (( التمهيد ) )للنسفي (ص102) ، نقلا عن: الماتريدية دراسة وتقويما، د. أحمد بن عوض الله الحربي ص (463) ، وانظر: (( تبصرة الأدلة ) )لأبي المعين النسفي (2/ 809) ، (( حاشية القاسم بن قطلوبغا الحنفي على المسامرة ) ) (ص: 308، 310) .